يقول مالك بن نبي: “الزمن نهر قديم يعبر العالم منذ الأزل، فهو يمر خلال المدن يغذي نشاطها بطاقته الأبدية، أو يذلل نومها بأنشودة الساعات التي تذهب هباء. وهو يتدفق على السواء في أرض كل شعب ومجال كل فرد، بفيض من الساعات اليومية التي لا تغيض، ولكنه في مجال ما يصير ثروة، وفي مجال آخر يتحول عدماً. فهو يمرق خلال الحياة، ويصب في التاريخ تلك القيم التي منحها له ما أُنجز فيه من أعمال”.
عندما نشاهد المدن ونتأمل مظاهر الحضارة التي بناها الإنسان، نجد أن التاريخ يعطينا “عدسة” تمكننا من رؤية دوره العظيم في بناء تلك الحضارات.
ستجد الزمن، كما وصفه مالك بن نبي، كنهر قريب في بعض الأماكن وبعيد في أخرى. في المدن المزدهرة، يقترب الناس من هذا النهر ويغترفون منه بقدر الإمكان، لأنهم يدركون قيمته ويستثمرون فيه. أما في الأماكن التي تراجعت فيها الحضارة، يكون الزمن قد تحول إلى عبء، حيث يحاول الناس التغاضي عنه أو قتله حتى جف النهر وابتعد.
لقد وزع الله عز وجل عوامل النجاح بعدالة بين جميع البشر، وعلى رأس هذه العوامل “الزمن”. فالزمن هو العامل الذي لا نستطيع أن نتحكم فيه أو نستهين بقيمته.
الإنسان، هذا المخلوق العظيم، محكوم بالزمن وبالتاريخ بأبعاده المختلفة.
والتاريخ دائمًا يثبت أنه مجال التجربة والخطأ وإعادة التجربة، ولكنه بالرغم أنه يتحرك في اتجاه واحد، إلا أنه مرتبطه أبعاده ببعض ارتباط عجيب، فالماضي يؤثر في الحاضر، والحاضر يرسم ملامح المستقبل.