طه عبد الرحمن هو مفكر وفيلسوفٌ مغربيٌ وُلد في 15 مارس 1944.
يُعتبر واحدًا من أبرز الفلاسفة في العالم العربي المعاصر، حيث يجمع بين الفلسفة الإسلامية والفكر الحديث.
التعليم والخلفية.
تلقى طه عبد الرحمن تعليمه الأولي أثناء طفولته في الكٌتاب على يد والده.
درس المرحلة الابتدائية في مدينة الجديدة انتقل بعدها إلى الدار البيضاء وأكمل فيها دراسة المرحلة الإعدادية والثانوية.
نشأ في مجتمع أمازيغي وسط ثقافة إسلامية صوفية ظهر تأثيرها جليا عليه طيلة مسيرته الفكرية والعلمية.
حصل من جامعة محمد الخامس بالرباط على إجازة (البكالوريوس) في الفلسفة.
واصل دراسته في فرنسا؛ في جامعة السوربون، وحصل فيها على إجازة ثانية (ماجستير) في الفلسفة ثم دكتوراه السلك الثالث عام 1972 في موضوع "اللغة والفلسفة: رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود" ولعبت البيئة الفرنسية دورا في تأثره بالفكر الغربي التأثر الذي صقل ما لديه من تراث فكري إسلامي فأنتج عقلية لديها رؤية فلسفية عميقة.
عاد إلى المغرب وعين أستاذا للمنطق وفلسفة اللغة في جامعة محمد الخامس بالرباط، واصل فيها أيضا مساره الدراسي إلى أن حصل على دكتوراه الدولة عام 1985، بأطروحة تحت عنوان "رسالة في الاستدلال الحجاجي والطبيعي ونماذجه".
طه عبد الرحمن له تأثير كبير في الفكر العربي والإسلامي؛ حيث يسعى إلى تطوير العقل النقدي والتفكير الفلسفي في السياقات المعاصرة.
يُعدُ طه عبد الرحمن، الفيلسوف العربي المعاصر أحد أبرز المفكرين الذين ساهموا في إثراء الحوار الفلسفي بين الشرق والغرب. تميزت فلسفته بعمقها ورؤيتها الشمولية، حيث سعى إلى بناء جسر بين التراث الفلسفي الإسلامي والفكر الغربي المعاصر.
الملامح الأساسية لفلسفة طه عبد الرحمن:
التوفيق بين التراث والحداثة: سعى طه عبد الرحمن إلى التوفيق بين التراث الفلسفي الإسلامي والقيم الأخلاقية المتأصلة فيه وبين المعارف الحديثة التي قدمتها الفلسفة الغربية.
الأخلاق كأساس للفلسفة: اعتبر الأخلاق هي الأساس الذي تبنى عليه الفلسفة، وركز على أهمية العودة إلى القيم الأخلاقية الإسلامية كمرجعية أساسية.
المنهج النقدي: اتبع طه عبد الرحمن منهجًا نقديًا في تحليله للنصوص الفلسفية، سواء كانت إسلامية أو غربية وذلك بهدف استخلاص الجوهر منها وتجاوز القراءات التقليدية.
الاهتمام باللغة: أولى طه عبد الرحمن اهتمامًا كبيرًا باللغة، واعتبرها أداة أساسية للفكر والفلسفة. وقد أكد على أهمية اللغة العربية في بناء الفكر الإسلامي.
الاهتمام بالعمل: ربط طه عبد الرحمن بين الفكر والعمل، وشدد على أهمية أن يكون الفكر مؤثرًا في الواقع.
أبرز مساهمات طه عبد الرحمن:
تجديد الفكر الإسلامي: ساهم طه عبد الرحمن في تجديد الفكر الإسلامي من خلال ربطه بالمعارف الحديثة، وتطوير منهجية جديدة لتفسير النصوص الدينية.
بناء جسر بين الحضارات: سعى إلى بناء حوار بين الحضارات، وخاصة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية.
تأسيس فلسفة أخلاقية إسلامية:
قدم طه عبد الرحمن رؤية شاملة للأخلاق الإسلامية، وربطها بالقيم الإنسانية العالمية.
من أبرز كتاباته وأفكاره:
الاهتمام باللغة والمنطق: في كتابه "اللغة والفلسفة"، يركز طه عبد الرحمن على أهمية اللغة في بناء الفكر الفلسفي، ويحلل بنية اللغة العربية ويستخرج منها أدوات تحليلية فلسفية.
التوفيق بين التراث والحداثة: في كتابه "العمل الديني وتجديد العقل"، يسعى طه عبد الرحمن إلى تجديد الفكر الإسلامي من خلال ربطه بالمعارف الحديثة مع الحفاظ على جوهره الأصيل.
النقد المنهجي للتراث: في كتابه "تجديد المنهج في تقويم التراث"
يقدم طه عبد الرحمن منهجًا جديدًا لدراسة التراث الفلسفي الإسلامي يعتمد على التحليل النقدي والمنطق.
فلسفة الأخلاق: يركز طه عبد الرحمن على أهمية الأخلاق في الفلسفة ويربط بين الأخلاق الإسلامية والقيم الإنسانية العالمية.
مقارنة فلسفة طه عبد الرحمن بفلاسفة آخرين:
طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري:
الشبه: كلاهما يهدفان إلى تجديد الفكر الإسلامي، وإعادة قراءة التراث الفلسفي الإسلامي في ضوء المعارف الحديثة.
الاختلاف: يركز طه عبد الرحمن أكثر على الجانب الأخلاقي والفلسفي، بينما يركز الجابري على الجانب النقدي والمنهجي.
طه عبد الرحمن وحسن حنفي:
الشبه: كلاهما يعتبران من رواد الفكر الإسلامي المعاصر، وكلاهما يسعيان إلى بناء جسور بين التراث والحداثة.
الاختلاف: يختلف طه عبد الرحمن عن حسن حنفي في التركيز على الجانب الأخلاقي، بينما يركز حسن حنفي على الجانب الاجتماعي والسياسي.
طه عبد الرحمن، محمد عابد الجابري، وحسن حنفي هم رموز بارزة في الفكر الإسلامي المعاصر. على الرغم من وجود اختلافات بينهم في التركيز والمنهج، إلا أنهم يتفقون في هدفهم الأساسي وهو تجديد الفكر الإسلامي وإعادة قراءته في ضوء التحديات المعاصرة.
يرى طه عبد الرحمن أن الحوار بين الأديان هو ضرورة ملحة في عالمنا المعاصر، وهو السبيل الأمثل لتحقيق التفاهم والتعايش السلمي بين مختلف الشعوب والثقافات، ويؤكد على أهمية الاحترام المتبادل والاستماع الجيد والبحث عن القواسم المشتركة كركائز أساسية للحوار الناجح.
من بين الفلاسفة الذين يمكن اعتبارهم قريبين من أفكاره:
1. ابن رشد: لاهتمامه بالعقل والتوافق بين الفلسفة والدين.
2. الفارابي: في رؤيته حول الفلسفة السياسية والاجتماعية.
3. الغزالي: في نقده للفلسفة اليونانية ومحاولته لتأسيس رؤية إسلامية للحياة.
4. محمود أمين العالم: في شغفه بإعادة بناء الفكر العربي والإسلامي.
تتداخل أفكار طه عبد الرحمن مع العديد من المفكرين في مجالات الفلسفة، الأخلاق، والسياسة، مما يجعله جزءًا من تيار أوسع من التفكير الفلسفي.
مقارنة فلسفة طه عبد الرحمن مع فلسفة بعض الفلاسفة الإسلاميين -في عصر إزدهار الحضارة الإسلامية- الذين يُعتبرون قريبين منه، مثل ابن رشد والغزالي.
1. طه عبد الرحمن
- التراث والمعاصرة: يسعى إلى إعادة قراءة التراث الإسلامي وتحديثه لمواجهة تحديات العصر. يؤكد على أهمية الأخلاق في الحياة اليومية ويعتبرها الأساس لتحقيق التوازن في المجتمع.
- نقد الحداثة: يطرح رؤى نقدية تجاه الحداثة الغربية وتأثيراتها السلبية على الهوية الثقافية.
- الفكر النقدي: يشجع على التفكير النقدي ويعتبره ضروريًا لتطوير الفكر الإسلامي.
2. ابن رشد
- التوافق بين الفلسفة والدين: يُعرف بمحاولته التوفيق بين الفلسفة اليونانية والإسلام، مؤكدًا على أن العقل والدين يمكن أن يتعاونوا.
- الفكر العقلاني: يعزز استخدام العقل في فهم النصوص الدينية ويعتبر الفلسفة أداة لفهم الحقيقة.
- الإرث الفلسفي: يُعتبر أحد أهم المترجمين والمفسرين للفلسفة الأرسطية في العالم الإسلامي.
3. الغزالي
- نقد الفلسفة: يُعرف بنقده للفلاسفة، خاصة في كتابه "تهافت الفلاسفة"، حيث يُظهر فكرًا متميزًا يعارض بعض الأفكار الفلسفية اليونانية.
- الأخلاق والدين: يعتبر الأخلاق والروحانية أساسًا في الحياة، ويركز على العلاقة بين العبد وربه.
- التصوف: له تأثير كبير في التصوف الإسلامي، حيث يدمج بين الفلسفة والدين من خلال التجربة الروحية.
المقارنة
- التراث: بينما يسعى طه عبد الرحمن لتحديث الفكر الإسلامي، يركز ابن رشد على التوافق بين الفلسفة والدين، بينما ينقد الغزالي الفلاسفة ويحاول تثبيت القيم الدينية.
- الأخلاق: جميعهم يعيرون أهمية للأخلاق، لكن طه عبد الرحمن يعتبرها أساسية لتحقيق التوازن الاجتماعي، بينما يؤكد الغزالي على الأخلاق من منظور ديني وروحي.
- نقد الحداثة: طه عبد الرحمن يتناول الحداثة بشكل نقدي، بينما ابن رشد والغزالي يختلفان في مقاربتهما، حيث يسعى ابن رشد للتوفيق ويعارض الغزالي بعض مبادئ الفلاسفة.
خلاصة المقارنة:
طه عبد الرحمن يجمع بين التراث والفكر النقدي، بينما ابن رشد يركز على التوافق بين الفلسفة والدين، والغزالي يتناول النقد من منظور ديني وأخلاقي. كل منهم يقدم رؤى فريدة تُثري الفلسفة الإسلامية وتساعد في فهم التحديات المعاصرة.
اقتباسات للفيلسوف طه عبدالرحمن:
🔹انسداد العقل وانقباض الأخلاق" هما سبب انتكاسة الأمة العربية والإسلامية.
🔹أن لكل ثقافة وحضارة فلسفتها وحداثتها الخاصة.
🔹الائتمان عبارة عن إيداع رعاية بحيث يكون كل ما خلق الله من أجل الإنسان هو عبارة عن ودائع أودعها إياه، يتملكها كيف يشاء، ويتحقق بها كيف يشاء، شريطة أن يصون حقوقها.
🔹لا هوية بدون غيرية.
🔹كل من ينتهك كرامة أحَد، فإنه يسعى، في ذات الوقت، في انتهاك كرامته هو، كأن الكرامة تنتقم لانتهاكها، وما ذلك إلا لأن سرّها موصول بعالم الغيب؛ فعلى سبيل المثال، إن الذي يُقدِم على تعذيب غيره حتى الموت والتمثيل بجسده، لا بد أن يفقد إنسانيته ويهوي إلى رتبة البهيمية.
ختاما، إن طه عبد الرحمن لم يكن مجرد فيلسوف، بل كان صوتًا للعقل والحكمة في زمن يزداد فيه التطرف والتعصب. لقد قدم لنا نموذجًا للمفكر المسلم الذي يجمع بين التراث والحداثة، وبين العقل والقلب. إننا مدينون له بجميل الإضاءة التي ألقاها على دربنا، وندعو إلى مواصلة السير على نهجه، لنبني مجتمعًا أكثر عقلانية وتسامحًا.
د.عائشة مياس