من يدرس التاريخ يدرك حقيقة ساطعة: أي حضارة نجحت في البقاء آلاف السنين، فإن وراء استمراريتها شعبًا يمتلك ذكاءً عقليًا ووجدانيًا نادرًا، قدرة فريدة على التطور والترقي، ومرونة استثنائية في مواجهة الأزمات. هذه الحقيقة تنطبق تمامًا على سوريا، التي تعدّ واحدة من أقدم شعوب الأرض الحية. عمرها أكثر من 12,000 عام. هذا ليس مجرد عدد، بل هو رمز لإرث طويل من العطاء والتطور.
لقد مرت سوريا بتحديات كبيرة على مر العصور، من الحروب الكبرى إلى الفترات الاقتصادية الصعبة، لكنها دائمًا ما تمكنت من الصمود والازدهار، فشعبها لم يكن مجرد متفرج على أحداث التاريخ، بل كان فاعلًا ومبدعًا، يساهم في صناعة نهضتها في مختلف المجالات، من الزراعة إلى العمارة، ومن الفلسفة إلى الأدب والفن.
نحن السوريون، ورغم التحديات التي نواجهها اليوم، نحمل في أعماقنا طاقات وقدرات وصفات جينية متوارثة من أجدادنا الذين صمدوا وأبدعوا منذ أقدم العصور. ولقد شهدنا قدرة الشعب السوري على الصمود وإعادة الإعمار في السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من الدمار الذي خلفته الحرب في حلب، التي كانت من أبرز مراكز الصناعة والتجارة في سوريا، تضافرت جهود الأهالي والقطاع الخاص لإعادة ترميم أسواقها القديمة ومبانيها الأثرية التي تضررت بشكل كبير. وبمساعدة الشباب السوري والمبادرات المحلية، تم تجديد العديد من الأماكن التاريخية في المدينة، ما يعكس قدرة الشعب على النهوض حتى من أعماق المأساة.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يجب أن نشعر بالفخر بهذا الإرث العظيم. علينا أن نعي أن التاريخ ليس مجرد صفحات مكتوبة، بل هو معيشٌ في نفوسنا وأفعالنا. نحن لسنا فقط أبناء هذه الأرض، نحن حراس أمانة تاريخية وإنسانية. مسؤوليتنا اليوم أكبر من أي وقت مضى في الحفاظ على هذا الإرث وتطويره.