استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

من ضيق الجغرافيا إلى سعة الحضارة

من يدرس التاريخ يدرك حقيقة ساطعة: أي حضارة نجحت في البقاء آلاف السنين، فإن وراء استمراريتها شعبًا يمتلك ذكاءً عقليًا ووجدانيًا نادرًا، قدرة فريدة على التطور والترقي، ومرونة استثنائية في مواجهة الأزمات. هذه الحقيقة تنطبق تمامًا على سوريا، التي تعدّ واحدة من أقدم شعوب الأرض الحية. عمرها أكثر من 12,000 عام. هذا ليس مجرد عدد، بل هو رمز لإرث طويل من العطاء والتطور.

لقد مرت سوريا بتحديات كبيرة على مر العصور، من الحروب الكبرى إلى الفترات الاقتصادية الصعبة، لكنها دائمًا ما تمكنت من الصمود والازدهار، فشعبها لم يكن مجرد متفرج على أحداث التاريخ، بل كان فاعلًا ومبدعًا، يساهم في صناعة نهضتها في مختلف المجالات، من الزراعة إلى العمارة، ومن الفلسفة إلى الأدب والفن.

نحن السوريون، ورغم التحديات التي نواجهها اليوم، نحمل في أعماقنا طاقات وقدرات وصفات جينية متوارثة من أجدادنا الذين صمدوا وأبدعوا منذ أقدم العصور. ولقد شهدنا قدرة الشعب السوري على الصمود وإعادة الإعمار في السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من الدمار الذي خلفته الحرب في حلب، التي كانت من أبرز مراكز الصناعة والتجارة في سوريا، تضافرت جهود الأهالي والقطاع الخاص لإعادة ترميم أسواقها القديمة ومبانيها الأثرية التي تضررت بشكل كبير. وبمساعدة الشباب السوري والمبادرات المحلية، تم تجديد العديد من الأماكن التاريخية في المدينة، ما يعكس قدرة الشعب على النهوض حتى من أعماق المأساة.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يجب أن نشعر بالفخر بهذا الإرث العظيم. علينا أن نعي أن التاريخ ليس مجرد صفحات مكتوبة، بل هو معيشٌ في نفوسنا وأفعالنا. نحن لسنا فقط أبناء هذه الأرض، نحن حراس أمانة تاريخية وإنسانية. مسؤوليتنا اليوم أكبر من أي وقت مضى في الحفاظ على هذا الإرث وتطويره.

إن استثمار مواهبنا وطاقاتنا في إعمار سوريا وبنائها هو ليس فقط واجب تجاه أنفسنا وأجدادنا وأحفادنا، بل تجاه الإنسانية جمعاء. المستقبل يعتمد على الجهود التي نبذلها اليوم في تربية جيل قادر على استيعاب أهمية هذا الإرث والعمل على تطويره. وهذا يتطلب منا أن نعمل معًا، متحدين في وجه الأزمات والتحديات التي نواجهها، وأن نكون مستعدين لاغتنام الفرص التي تتيح لنا الإسهام في بناء وطننا.

سوريا جزء جميل جدًا، نادر ومميز، من فسيفساء الحضارة الإنسانية العالمية. هي بمثابة نافذة تفتح على الماضي، لكنها أيضًا منارة للمستقبل. سوريا هي نور من أنوار هذا العالم، وكل سوري هو قبس من نورها. وإذا كان تاريخنا العريق هو مصدر فخرنا، فإن مستقبلنا هو الذي سيحدد قيمة هذا الإرث.

كتابة: المهندسة رباب تميم قاسمو

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.