استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

طاقة نبوية خارقة


هواجس تحوك في نفسي وصراعات طويلة ومنظرات كثيرة بين طبيعة النفس البشرية وما يلقى على عاتقها..
لم أجد أكمل طبيعة من الأنبياء فقد صنعهم الله على عينه وعصمهم واصطفاهم ..
وأيضا هم أشد الناس بلاء وأكثرهم تكليفا ..
كيف تحملوا كل هذا ؟
لماذا لا نطيق نحن تحمل عشر معشار ما تحملوا ؛ رغم أنهم بشر مثلنا ؟
فما هي القدرة التي امتلكوها ولم نمتلكها ؟
كل الآثار والتأويلات والقصص المفسرة لم تزد صراعي إلا حيرة بل ووسعت هوة التساؤل والافتراض..
لا أشكك في صحة ما يروى ؛ لكن التأويلات والتفسيرات والاستشهادات لم تجب على أسئلتي..
عدت بالذاكرة السيرية وقلبت صفحات التاريخ النبوي منذ آدم عليه السلام حتى خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ..
تحمل الأنبياء أعباء الرسالات ونذروا حياتهم لها ولاقوا فيها الويل والثبور والنكال ..
ولم يرجع منهم أحد عن طريقه رغم كل البلاء ..
هل سمعت بنبي الله نوح عليه السلام ؟
ظل ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو ويلاقي استهزاء وتنكيلا ونفورا حتى من زوجه وولده ولم يؤمن به إلا قليلا ..
ما الطاقة التي كانت تمده بكل هذا الصبر والثبات ؟
بأي حبل كان يعتصم ولأي ركن كان يأوي ؟
ستقول : لله
نعم ..
لكن هناك شيء آخر جعل هذه العلاقة والارتباط بالله قادرا على مقاومة وتحمل مالا يقدر عليه بشر ..
ماهو ؟
ما الذي جعل إبراهيم عليه السلام يصبر على حر النار والتكذيب ووو؟
وبعد كل هذا (قَالَ إِنِّی مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّیۤۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ)
ما الذي جعل يوسف عليه السلام يتحمل غياهب السجن؟
مختارا راضيا "رب السجن أحب إلي"
وفي النهاية : " أنت وليي في الدنيا والآخرة "
ما الذي صبر زكريا عليه السلام حتى نشر بالمناشير؟
ويصف ربه سبحانه: "وأنت خير الوارثين"
ما الذي أبقى أيوب عليه السلام على قيد الأمل رغم كل ما لقيه ؟
ومع هذا يقول في دعائه: "وأنت أرحم الراحمين"
ما الذي حفظ عقل يعقوب عليه السلام من الجنون كل هذه السنين ؟
وهو في عز ابتلائه : (فَصَبۡرࣱ جَمِیلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَنِی بِهِمۡ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ)
ما الذي أبقى على حكمة موسى وثباته رغم ما لقيه من فرعون وبني إسرائيل؟
ورغم هذا يقول : "وعجلت إليك رب لترضى"
بطبع هناك قوة جبارة جعلتهم بشرا خارقين ..
لا يقولن قائل إنهم خارقين لأنهم أنبياء...
فليس في الشرع نص يدل على أن لهم ما ليس للبشر إلا العصمة ونزع حظ الشيطان منهم ..
إنها عاطفة المحبة الصادقة الموصولة بالله متناهية الثقة واليقين ؛ لم تكن علاقة الأنبياء بالله علاقة إجبار فالله سبحانه غني عن كل أحد لكنها علاقة محبة وارتباط عاطفي وثيق رغم أعباء التكليف كان التفاني في طلب رضاه سبحانه ..
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: ((أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا)) متفق عليه
ويؤكد هذا ورود كلمة "رب" على لسان الأنبياء في دعائهم عشرات المرات بكسر الباء وحذف الياء
ما معنى هذا ؟
جاء في " الموافقات " للشاطبي (4 / 202) :
" فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ نِدَاءَ اللَّهِ لِلْعِبَادِ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِـ"يَا" الْمُشِيرَةِ إِلَى بُعْدِ الْمُنَادِي لِأَنَّ صَاحِبَ النِّدَاءِ مُنَزَّهٌ عَنْ مُدَانَاةِ الْعِبَادِ ، مَوْصُوفٌ بِالتَّعَالِي عَنْهُمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ ، فَإِذَا قَرَّرَ نِدَاءَ الْعِبَادِ لِلرَّبِّ أَتَى بِأُمُورٍ تَسْتَدْعِي قُرْبَ الْإِجَابَةِ : مِنْهَا:
إِسْقَاطُ حَرْفِ النِّدَاءِ الْمُشِيرِ إِلَى قُرْبِ الْمُنَادَى ، وَأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ الْمُنَادِيِ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ ؛ فَدَلَّ عَلَى اسْتِشْعَارِ الرَّاغِبِ هَذَا الْمَعْنَى ؛ إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا "رَبَّنَا"
"رَبَّنَا" كَقَوْلِهِ:
( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا ) [الْبَقَرَةِ: 286]
( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ) [البقرة: 127] .
( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي) [آل عمران: 35] .
(رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) [الْبَقَرَةِ: 260] " .
ألا قاتل الله كل من خوف العباد من ربهم ووصل بهم إلى حد اليأس والقنوت واحتقار الذات ..
لا بارك الله في كل من اعتلى منبر وعظ وذكر الجحيم والعذاب ولم يذكر رحمة التواب الرحيم ..
نكل الله بكل من ظن نفسه ولي لله وشرع في البطش بعباده باسم دينه وتهمة أنهم عصاة ..
أيها الناس ..
إن الله خلقكم أحرارا وكلما أخلصتم له العقيدة والعبادة كلما تحررتم وعلا بين العالمين شأنكم ..
عبر الصّحابي الجليل ربعيّ بن عامر رضي الله بكلماتٍ بليغة عن أهداف الإسلام حينما قال لرستم :
"بعثنا الله لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن جور الأديان إلى سعة الإسلام"
أيها الناس ..
إن القرب من الله ليس عسيرا يكفي أن تتبع فطرتك النقية السوية وصحيح الدين
عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه عزوجل قال:" إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".
أخرجه البخاري، كتاب التوحيد.
أيها الناس ..
إن ربكم ودود قابل التوب غفار الذنوب يفرح بعودة عبده إلى رحابه ..
روى البخاري ، ومسلم واللفظ له، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَح"ِ .
أيها الناس ..
لا تنتظروا الشفقة من عالم يبيح لك ما فعلت أو يجيز لك ما اقترفت أو يصرح لك بمغفرة ما كسبت يداك لتنجوا بفتواه ..
كونوا عبيدا لله فقط وحكموا فيكم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..
وثقوا برحمته التي سبقت غضبه، وكلما تهتم وتعبتم اهربول لحمى حبه وحلمه وهو سبحانه كفيل بحل كل المشاكل ورأب كل الصدوع ..
عن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى، إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: "أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟" قُلْنَا: لا وَاللَّهِ، فَقَالَ:" للَّهُ أَرْحَمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا"
متفقٌ عليه.
يكفي أن تقبل على الله بصدق وتغتسل من كل أسباب التعلق في خضم أنهار محبته ورحمته وتذكر أن المحب الصادق لا يقترف ما يستجلب غضب ربه ومليكه ..
وهو كفيل بك ورحيم بحالك..




بقلم : فاطمة بنت الرفاعي

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.