في الصغر كانت الآداب أول ما يقال فيه للمتعلم: أحسنت..
وكانت أخطاء العلم تغفر وأخطاء الأدب لا تغفر حتى تقوم..
تعلمنا أن الأدب نصف العلم ويحمل إليك النصف الآخر..
كان بعض مشايخنا وعلمائنا يرفض أن يكل أمر التعليم للمعلم الذي يفتقر للأدب مهما بلغ علمه أو رجحت مهارته ويقول: لو كان له علم صحيح لقوم سلوكه وأدبه..
تعلمنا أن البركة تؤتى بالإخلاص وزكاة العلم بذله ومن علم بما علم آتاه الله علم ما لم يعلم..
وتعلمنا من سمت العلماء وسلوكهم ومعاملاتهم أكثر مما تعلمنا من علمهم..
ولكن بالوقوف على الواقع المعاصر بنظرة موضوعية نجد أن القرن الفائت مر بالكثير من الركود والضحالة في المنتج العلمي المجدد وقد شابه بهذا عصر الانحطاط المعرفي الذي كان قبيل الاستعمار..
وحين هبت الثورات شملت المجالات العلمية المتعددة كما شملت الواقع السياسي أيضا..
وقد صحبت الثورة على الركود وجحد التسليم بالعصمة لفكرة أو شخص؛ دهس الكثير من الحقوق والإتيان على كثير من القيم النبيلة والغايات السامية..
ومن هذا بعض آداب الطالب..
كان مشايخنا رحمة الله عليهم تترى يرخون عيونهم ويخفضون أصواتهم أمام أشياخهم وأمام من سبقهم في باب من العلم وإن كان أصغر منهم أو أقل علما في أبواب أخرى..
اليوم بقدر ما يسرني من النشاط الفكري والتسابق العلمي أحزن على هذه القيم..
ما حضرت ندوة عبر الأثير أو في صرح علمي إلا ووجدت كل من يدلوا بدلو من علم أو فكرة أو بادرة خير.. يتلقفه الحضور صغيرهم وكبيرهم عالمهم وطويلبهم يسلوقونه بألسنة حداد أشحة على الخير..
لماذا؟.. أين تقدير مكانته وعلمه وفضله ومنزلته وإنسانيته قبل كل شيء..
وحتى لو كان المتحدث أعلم منه أو أسن أو على صواب في نقده؛ فأين الأدب؟
لا علم لمن تخشع جوارحه ويرق قلبه ويغلب حسن ظنه كل فعله وقوله..
الغيرة على العلم لا تعني أبدا أن نتجرد من قيمنا وأخلاقنا..
شيوع هذه الظاهرة جعلها مقبولة من الكل لا أجد أحدا ينكرها..
لقد سمعنا وعاصرنا الشيخ الذي يرفض تعليم طالب لسوء أدبه في الطلب..
وهذا من ضبط العلم وإنزاله في من هم أهله ليكونوا مشاعل نور هادية على دروب المسترشدين..
أخشى أن نصل لحال يبخل الناس فيه بالخير خشية المحاكمة والانتقاص..
إياكم أن تكونوا ممن يحرق الشموس لأجل شمعة..
نحن أمة قوامها " رحمة للعالمين" وبعث رسولها الخاتم صلى الله عليه وسلم متمما لمكارم الأخلاق.. وقد وصفه رب العزة: " وإنك لعلى خلق عظيم"
العلوم تتجدد وتخلق عليها أثواب جديدة حسب ما ينتهي إليه علم الإنسان المتراكم عبر الزمن؛ لكن الأخلاق تبقى أرقى ما يتحلى به الإنسان منذ آدم عليه السلام حتى يرث الله الأرض وما عليها..
فاطمة بنت الرفاعي