في معرض تقييم اوضاعنا الحالية ، وما تطمح اليه مجتمعاتنا من التقدم والتحضر ، وما الى ذلك من هذه المصطلحات البراقة والمثيرة لشهية المهتمين بنهضة ورقي وتطور اوطانهم .. علينا ان نكون حذرين في التعامل مع هذه الكلمات الانشائية ، وعلينا البحث عن تعريف وتوصيف دقيق لمعنى التقدم والتحضر الاجتماعي ومعطياته على الارض ، لاننا إذا نجحنا في هذا نستطيع استخراج معايير واضحة يمكننا من خلالها قياس وتحديد ملامح التقدم والنهوض الحضاري المنشود من عدمه .
وفي هذا السياق علينا ان نطرح السؤال التالي :
- ما هو التقدم الاجتماعي ؟
- وما هي ابرز معاييره ؟
وهنا يقول الدكتور ان التقدم مسار ضخم ، تتداخل فيه القيم وتتفاعل وتتطور مع الزمن فتتسع وتصبح اكثر تفصيلا لتشكل روحا وثقافة جديدة تسري في كل مفاصل المجتمع ، لتخرج أفضل ما عنده . ومن المعايير الدالة على ذلك مجموعة من المؤشرات قسمها الى قسمين :
مؤشرات ظاهرة على السطح
وتتضمن قدرة المجتمع على توفير الاحتياجات الانسانية الأساسية كالغذاء والعلاج والماء والمرافق الصحية والسكن والأمان الفردي .. ومن المهم هنا الالتفات لطاقة المجتمع للتقدم وهي قدرة مرهونة بمدى امكانية ضمان المجتمع للاستقرار والوجود الكلي لنظامه .. ثم يلي ذلك الدخول لمرحلة التنمية في البناء والصناعة والزراعة .... الخ .
وقد تعارف الناس على تسميتها بمؤشرات التقدم الاجتماعي .
إلا أنه من المهم طرح السؤال العميق التالي :
- ما الذي يجعل الأمم تتفاوت في درجة قدرتها على ضمان وجودها واستقرارها وازدهارها ؟
- ومالذي يكمن خلف الوجود والاستقرار والتنمية ؟
مؤشرات في العمق
وهنا يظهر العمق الكامن خلف جبل الثلج كما يقول الدكتور جاسم وتظهر مجموعة التصورات الكبرى التي تصنع التقدم اوالتخلف .
ويقول إن التصورات الكبرى هي منشأ القيم وليست آحادها ، فالتصورات الكبرى في علاقتها بأفراد وآحاد القيم أشبه بالحاضنة أو الوعاء الذي تنبت فيه القيم ومنه تتغذى وتكبر وتتفرع وتثمر ..
فاتجاهات البشر السلوكية تعتمد في الاساس على موجهاتها القيمية ، والتي تنبثق وتتأسس بدورها على تصورات كبرى حاكمة تندرج فيها تلك القيم ، وتعطيها المضمون والمعنى ، فتغدو هذه التصورات المؤثر الأكبر على ما نشهده من تقدم أو تخلف .
فحين نقول أن النظرة للإنسان أحد التصورات الكبرى فهنا نتحدث عن الوعاء أو الحاضنة التي تسمح باحتواء كل ما يسمى بحقوق الإنسان وكل المصفوفة القيمية المتولدة عن تلك النظرة .