بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على خيرخلق الله اجمعين وآله ... وبعد ،،،
لقد وجه الدكتور جاسم سلطان حديثه في هذا الكتاب الى كل من تهفو نفسه وتتوق روحه الى غد افضل حثه فيه على ان يتعرف على سنن الله في كونه وعلى القواعد التي تحكم عملية النهوض والشهود الحضاري ... فعليه اولا ان يتهيأ للولوج والدخول في مرحلة اليقظة والتي جلها معارك وحروب تدور رحاها في اعماق العقل وما يحمله من افكار ومعتقدات محاكمة ومحاسبة ، فتعديلا اواستبدالا ، ثم تنظيفا وتطهيرا لكل ما هو معيق وغير صالح ومؤذي ومعرقل لطريق الفلاح والظفر بالحياة الكريمة ... فهذه المرحلة ( اليقظة ) تعتمد في انطلاقتها على ادق قواعد واسس البحث العلمي ، واقصى درجات الاعداد ، وتتجنب وتبتعد عن سياسة الارتجال والعشوائية ولا تتخذها ديدنا ومنطلقا ....
وحسب ظني وما فهمته من الكتاب ان طريق الانتقال من عالم الانحطاط والتخلف الى عالم التحضر والعزة والكرامة ( الحضارة ) له سنن وقوانين تحكمه وتمهد طريقه من البدايات الى النهايات ، وهذه القوانين يبني بعضها بعضا ويمهد ويكمل بعضها الآخر ...
فلا يمكن الانطلاق بمشروع النهضة بدون وجود فكرة مركزية تحلق بالمشروع عاليا بجناحيها ... الجناح الايمن المتين الصلب الذي يحدد والهيكل والبنى الاساسية للمشروع ويرسم ويبين المسار العام الكلي له ... والذي يتناغم ويتكامل مع جناها الايسر اللين المرن الذي يسمح للفكرة بالتحليق والحركة والتكيف مع ظروف الواقع وتحدياته ... ومنهما تصاغ فكرة تعبر عن طموحات وآلام عموم الناس تحفزهم وتلهمهم وتوقد وتجدد فيهم الحماس ....
بعد نضج الفكرة المركزية ينتقل المشروع خطوة الى الامام على سلم النهوض الحضاري إذ نحتاج الى تغيير في عالم المشاعر من الحالة النفسية السيئة السالبة الى الحالة الايجابية ، وذلك من خلال غرس شجرة الامل ، وتعزيز الشعور بالعزة ، مع ايمان عميق وراسخ بمشروع التغيير والنهوض ... ثم تواجه المشروع والقائمين عليه العقبة الثالثة وهي تطبيق ذلك على ارض الواقع بشكل ملموس وهو تغيير السلوك الذاتي للفرد والمجتمع ... ولتخطي هذه العقبة نحتاج ان نخوض غمار رحلة التغيير والتي تبدأ بتعلم التعلم وكسر الأماني والانعتاق من سجن العادات ... وبعد عبور هذه العقبة تعترضنا العقبة الرابعة وهي حاجتنا لفهم اسرار شرائح التغيير الثلاث والدور الوظيفي والزماني لكل منها لانجاح الفكرة الكلية للمشروع ... فاذا نجحنا في استيعاب هذه السنة وفك شفرة ورموز هذا القانون ننتقل خطوة اضافية على سلم التحضر فتواجهنا عقبة اعداد الكوادر النوعية ، وكيفية اعدادها ، وما مواصفات الكادر الذي يصلح لقيادة عملية الاصلاح والنهوض ... وهو ما عنونه الكتاب بقانون الخصوبة ... بناء جسر تخطي عقبة اعداد الكوادر الفاعلة ننتقل الى خطوة ابعد ومتقدمة على سلم الشهود الحضاري وهي امتلاك المؤشرات والمقاييس الدقيقة والحساسة لبيان التقدم والتراجع والقرب والبعد من تحقيق الاهداف ... ومنها نزيد ارتقاء على السلم ونصبح مهيئين لفهم قضية التدافع اشكاله وفنونه ووسائله ... وبعد تجاوز عقبة فهم واستيعاب معضلة التدافع نكون جاهزين للاستفاذة من الفرص المتاحة الجزئية منها والكلية ، ونكون قد امتلكنا ملكة بناء السيناريوهات المختلفة للاحداث المتوقعة وغير المتوقعة ، ونكون اكثر قدرة على اتخاذ القرار الاسلم والمدروس ... بعدها نأتي للمحطة قبل الاخيرة وهي فهم سنن الله في الحضارات فكما تنشأ وتكبر وتتسيد فإنها تضعف وتتراجع وتنكمش فيوم لك ويوم عليك هكذا الدنيا ... بعد اتقان وفهم واستعياب القوانين التسع السابقة دراية ووعيا وتطبيقا نكون قد هُيئنا لمرحلة التمكين وقد أُسسنا لاقامة الدولة الحضارية والنهضة المنشودة بدعائمها السبعة بداية بالروح المشبعة بالامل مرورا بالفكرة الناظمة والعلم الغزير وامتلاك اسرار التكنولوجيا والقوة وترسيخ القيم المطبقة الفاعلة وتعزيز ثقافة العمل وتحرير الاقتصاد وصولا الى مجمع ذلك كله وهو توسيع نظم العمران لتشمل شتى مجالات الحياة ....
وذكر المؤلف بان الانسان النوعي هو مرتكز أي نهضة وبدون حضوره الفاعل لا مخرج من التخلف . وذكر ان قضية التربية واعداد الكوادر النوعية تعد من اهم القضايا والملفات التي ينبغي للعاملون في مشروع النهضة الاهتمام بها . ولهذا يكثر الحديث عن اعداد الكوادر البشرية في كل الامم سواء التي عبرت او التي ما زالت تتزاحم لتتبوء لها مكان يليق بها بين الامم ....
بروز الكاتب قانون الخصوبة تحت شعار : " قوة اي امة من قوة الكادر البشري الذي تنتجه " . وبدأ الحديث عنه بتعرف جامع شامل للتربية وذكر بأنها : " تدريج الانسان على سلم التزكية تخلية وتحلية حتى بلوغ الكمال بشكل متوازن بين مكوناته الاساسية الثلاث وهي :
- الجسم ( ولعله يقصد النفس ) بتحريرها من رق الشهوات المادية ( الشره البهيمي الغريزي للمطعم والمشرب والملبس والنكاح ... ) والمعنوية ( الغريزة السبعية الظلم والقهر والغصب والتسلط ... ) .
- تنمية العقل ومده بالادوات ومناهج التفكير السليمة ، واكسابه عادة التفكير والتحليل والتأمل والمناقشة بالحجج والبراهين ...
- التربية على الاخلاق الحسنة كالشجاعة والعفة والنصرة وقبول الحق والرحمة والصدق والامانة ....
وشدد على ان من اهم مستهدفات التربية هو مساعدة الافراد على تحقيق ذواتهم ، وتنمية قدراتهـم ، وإكتشاف امكاناتهم ، وتزويدهم بالمهارات المعرفية والسلوكية مما يهيئهم لحياة حرة كريمة ....
كتابة: صالح البدوي