انسان الانتظار- حسب مالك بن نبي - يعيش في واقع تحكمه ثلاثة عوالم :
عالم أفكار (ميتة ومميتة) + عالم علاقات مضطرب + عالم اشياء متخلف.
تركنا بن نبي أمام اسئلة كبيرة .
- ماذا تعني مفاهيم الحضارة التي طرحها بالنسبة للافراد وللدولة ؟
- كيف يمكن ترجمتها الى مسارات وأنساق واضحة قابلة للتطبيق؟
حاول مشروع النهضة الاجابة عبر مجموعة من المنظومات الفكرية، سنتعرف عليها في هذا الدرس.
النهضة لها طريقان كبيران :
*طريق الاحتشاد*:
- عندما تتبنى الدولة مشروع نهضة فإنها تحشد له أفضل المخططين والمنظرين.
- تضع خطة مركزية لعملية تشكيل المجتمع من جديد، كما فعلت الصين في حراكها من مجتمع منهار الى مجتمع قوي يشق طريقه بقوة في العالم .
طريق الاحتشاد ليس صعبا، ولكن يحتاج قيادة واعية عندها ارادة. ويظهر سؤال:
- من أين ستلتقط القيادة الافكار الحية، ومن أين سيظهر افراد في مراكز سلطة يحولون هذه الأحلام الى حقائق؟ الجواب عبر طريق التراكم .
*طريق التراكم* :
- هو الفعل الاجتماعي الذي يأخذ مداه دون أن يكون هناك تدخل مباشر للدولة في صناعته.
- تؤسسه افكار كبرى تطرحها قوى اجتماعية وتجد صدى بين جموع الناس، فتنمو وتكبر داخل المجتمع
دورنا في طريق التراكم:
- نحن كأفراد عاديين في المجتمع. لا نستطيع التحكم بتيار الاحتشاد. دورنا يكمن في طريق التراكم. فما هو هذا الدور المنوط بنا؟
- الجواب: الالتزام بمسار النهضة المحدد بثلاثة أطر.
*مسار مشروع النهضة*
- تحديات ثم صحوة ثم يقظة ثم نهضة ثم مشاركة حضارية
*التحديات* :
- ممكن تصنيفها تحت ثلاثة أنواع : التخلف - التفتت الداخلي – نظام دولي قاهر .
*الصحوة* :
- قبل الصحوة، كان المسلمون يشعرون بالأمان تحت حكم الدولة العثمانية.
- ولكن حملة نابليون في نهاية القرن 18 كشفت عن تحول عالمي كبير لصالح الغرب.
- مما جعل العرب يدركون أنهم أصبحوا الطرف الأضعف في المعادلة.
- بعد الحملة، بدأت محاولات للخروج من الأزمة، لكن التضحيات كانت كبيرة والعوائد قليلة.
- هناك حماس ولكن ينقصه الوعي بالواقع والرشد الكافي لمواجهة الواقع بتحدياته الثلاثة
* اليقظة* :
- هنا مجال اشتغال مشروع النهضة . ويظهر السؤال :
- ماهي احتياجات عبورنا الاساسية من الصحوة الى اليقظة؟ الحل عبر ثلاثة أطر.
*إطارات مشروع النهضة*
* اولا:اصلاح الجهاز المعرفي* :
- جهازنا الحالي الذي نعمل به لا ينتج اجابات تخدم الواقع، وانما ينتج اجابات في الخيال.
- نبحث في الكتب القديمة ماذا قالوا عن "صناعة الدولة" عوضا أن ندرس أحوال الدول في واقعنا المعاصر وما اشكالايتها والحلول الحالية .
- لا نمتلك منهج يدرس الواقع ويستخلص منه نتائج .
- امة تسير بلا اقدام لا يمكن أن تنجز شيئا في الواقع.
* ثانيا: ايجاد تيار عام يتوافق عليه الجميع* :
- نحن لا نستطيع اليوم التنسيق حول المصالح المشتركة وبالتالي نعيش في جزر منفصلة . تقوم بقصف متبادل، و لا ننتج حركة للامام .
- نحتاج أن نمتلك عقليات تسمح بهذا النوع من الحوار. قادرة على مد جسور بين فئات المجتمع المختلفة وخلق ذلك التيار الذي يوحد الجميع تحت مظلة المصالح الكبرى للأمة .
*ثالثا : ايجاد ثقافة مكافئة للعصر*
- الثقافة المكافئة للعصر تعني تطوير ثقافة مرنة، مبتكرة، وفعّالة.
- تتماشى مع واقع العصر وتعكس فهمًا عميقًا للتحديات والفرص.
- برنامج البناء الثقافي يقع اسفل هذه الاطار .
*كيف سنعرف أننا دخلنا في مرحلة اليقظة* ؟
*ظهور كتلة حرجة*
- تمتلك جهاز معرفي جديد سليم تحاكم به العالم + تحمل ثقافة مكافئة للعصر تفهم بها العالم + قادرة على التواصل مع الآخر المختلف بثقة وفاعلية
*توفر إطار قيمي مجتمعي لازم للعبور*
- ممكن تصنيف المعايير القيمية لمرحلة اليقظة الى ثمانية معايير :
- نظرة جديدة للانسان. العلم . الطبيعة. العمل. الوقت. الدين. علاقات داخل الوطن. علاقات مع الأمم الاخرى.
*مسار الحراك في مشروع النهضة* :
- يتعاون في هذا المسار ثلاثة شرائح .
*شريحة بدء* (حملة فكر النهضة ) :
- مجموعة صغيرة من المفكرين يطرحون افكار ورؤى تحدث التحول الثقافي المطلوب.
*شريحة تغيير* (اصحاب السلطة) :
- تلتقط أفكار شريحة البدء وتحولها الى خطط وبرامج عمل في الدولة. بدون هذا التلاقي بين شريحتي البدء والتغيير لا يمكن أن للنهضة أن تنطلق .
- *مثال* : لولا ان دعوة الرسول اتصلت معرفيا مع الاوس والخزرج في المدينة، ما كان لهذا الدين ان يقوم في مكة حيث لم تستطع الفكرة ان تلتقي برجال السلطة هناك .
*شريحة البناء* (أفراد المجتمع) :
- هذه الالتقاء بين شريحتي البدء والتغيير لن ينجح الا بحدوث اتفاق مع الشريحة الثالثة وهي شريحة البناء التي يمثلها مجموع المواطنين في المجتمع.
*مثال*: رغم تلاقي شريحة المفكرين مع اصحاب السلطة في السودان. فشل المشروع لانه لم ينجح في بناء توافق اجتماعي واسع في اقاليم السودان.
*المطلوب من صانع النهضة*
*أولا :أن يحمل فلسفة اساسية* : التمرة والفسيلة والثوب .
*التمرة* : المساهمة بأقل قدر من العطاء والالتزام به .
*الفسيلة* : تسود المجتمعات في مرحلة الانحدار حالة من اليأس، وبدون فلسفة الامل التي يحدثنا عنها الرسول في حديث الفسيلة لا يمكن الاستمرار بالعمل.
*الثوب*: حجر النهضة يشبه الحجر الأسود الذي تعاون أهل مكة على رفعه. فالحمل الكبير يهون بتعاون الجميع .
* ثانيا: أن يسخر مواهبه في دعم المشروع: *
*كن مشروعا*: البعض يجتهد لينجح ويتميز كفرد فهو مشروع نفسه، فالكاتب والطبيب والمهندس الفذ قيمة مضافة للنهضة.
*كوّن مشروعا*: هو شخص عنده قدرة على تأسيس فرق العمل وانشاء مشاريع.
*ادعم مشروع* : هو شخص قد لا يكون من الصنف الاول او الثاني. يصف نفسه انه عادي. فهذا يستطيع ان يساهم بدعم مشروع نافع بماله او معرفته او جاهه.
اخيرا قد تجتمع في شخص الثلاث مواصفات.
*الخاتمة* :
مشروع النهضة في تجليه العملي هو مساهمة للانتقال من مرحلة الصحوة الى اليقظة. كل الجهود مباركة طالما تصب في ثلاثة اهداف :
- تأسيس جهاز معرفي جديد
- خلق تيار شراكة فاعل
- بناء ثقافة مكافئة للعصر
اعداد: م. رباب قاسمو
المصدر: برنامج البناء الثقافي لقادة النهضة، الدكتور جاسم سلطان