استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الدين بين الدعوة وقهر العباد

رغم نصاعة القرآن في توجيهه للمؤمنين حيث يشدد على أنه (لا إكراه في الدين)، (وما أنت عليهم بجبار)، (وما جعلناك عليهم حفيظًا)، (وما أنت عليهم بوكيل)، (وما على الرسول إلا البلاغ المبين)، إلا أن واقع التدين أمر آخر، فتلقائيًا تظهر ممارسات الإكراه. وفي كل مكان ومع بوادر الحرية والنجاح يظهر الوجه الآخر من القهر والقسر والإكراه، وما إيران والسودان ومصر والعراق بل وحتى المجتمعات المسلمة في المدن الغربية عنا ببعيد. فالوجه المعتدل يتحول إلى النقيض، فيترحم الناس على الطغاة والطغيان لأنهم استبدلوا جلادًا واحدًا بآلاف الجلادين.

هل سوريا استثناء؟ هل بين عشية وضحاها ستنتقل إلى دولة مدنية قائمة على التراضي، وسينتقل المتدين من مساحة الإكراه إلى مساحة البلاغ على المستوى الميداني التطبيقي؟ فلن يطارد بعض أهل التدين الناس في شوارعهم وملابسهم وحركتهم وفي جامعاتهم وأماكن عملهم؟ هل سيسمحون للناس بالفرح بالحرية وباتخاذ قرارات حياتهم دون وصاية من أحد، ويتركون للقانون الشامل أن ينظم الحياة؟

من الصعب تخيل أن يحدث ذلك دفعة واحدة، والأقرب للعقل أن تظهر كل آثار الفهم الديني الذي يقوم على القسر والقهر أكثر من احتمالية العكس. لقد سرقت الثورة مرة لصالح نوع من الفهم، فدمرت مشروع الحرية وانتهت بالناس إلى المنافي، ودمرت الوحدة فأنشأت أكثر من 300 فصيل متناحر. والخوف أن تسرق فرحة الناس ثانية، فالفهم الخاطئ لا يزول بجرة قلم. ملايين السوريين في الخارج والداخل متمدنون بطبعهم وتدينهم معتدل، ولكن من سرق الثورة الأولى هم الأكثر تشددًا ونزوعًا إلى العنف، والخوف على الثورة الثانية. وأعرف كفاح كثير من أهل العلم المستنيرين ضد التطرف في السنين الماضية، ولكن ذلك ليس كافيًا لردم أفكار وممارسات مستقرة. والأفضل من وجهة نظري ابتداءً الاعتراف بوجود المشكلة والإعلان المبكر عن حزمة الإجراءات الوقائية.

لابد من إعلان (مانيفستو) داخلي للشباب المسلم السوري، يوقع عليه علماء سوريا ومستنيروها، حول المسافة بين الدعوة بالحسنى والقسر والقهر، وأن لا تترك مهمة تفسير الدين وعلاقته بالمجتمع للنظر الفردي، بل أن توجد هيئة عليا مدركة للدين وللواقع في ذات الوقت تقدم تلك الرؤية.

أقول: لا تتركوا التأويلات الخاطئة تقود الناس إلى ترك الدين جملة، واجعلوا الدين رافعة لمجتمع يوفق بين الموعظة الحسنة وبين الدولة الجامعة لكل الأطراف.
إن مهمة إنشاء مجتمع جديد جامع لكل مكوناته ليست شعارًا، بل هي ضمان بقاء واستمرار ونمو.
لا يتصور أحد أن خطاب التسامح هو تكتيك، بل هو ضمانة الوجود والاستقرار والنمو، ونقله من شعار إلى واقع قد يستغرق عقودًا، ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة.
لابد من بيان جامع وكلمة سواء لا لبس فيها حول مشروع (وطن لكل أطيافه)، وأن يتم ذلك بالتوازي مع جهود الدولة الحالية، ولا يؤجل حتى لا تتراكم الأخطاء ويستبدل استبداد باستبداد.

الخلاصة: 
الانزلاق للتطرف سهل لأنه تغذيه العواطف، والانسلاخ منه صعب لأنه يحتاج إلى عقل ووعي.

د.جاسم السلطان - 12/12/2024 - منقولة بتصرف

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.