رغم نصاعة القرآن في توجيهه للمؤمنين حيث يشدد على أنه (لا إكراه في الدين)، (وما أنت عليهم بجبار)، (وما جعلناك عليهم حفيظًا)، (وما أنت عليهم بوكيل)، (وما على الرسول إلا البلاغ المبين)، إلا أن واقع التدين أمر آخر، فتلقائيًا تظهر ممارسات الإكراه. وفي كل مكان ومع بوادر الحرية والنجاح يظهر الوجه الآخر من القهر والقسر والإكراه، وما إيران والسودان ومصر والعراق بل وحتى المجتمعات المسلمة في المدن الغربية عنا ببعيد. فالوجه المعتدل يتحول إلى النقيض، فيترحم الناس على الطغاة والطغيان لأنهم استبدلوا جلادًا واحدًا بآلاف الجلادين.
هل سوريا استثناء؟ هل بين عشية وضحاها ستنتقل إلى دولة مدنية قائمة على التراضي، وسينتقل المتدين من مساحة الإكراه إلى مساحة البلاغ على المستوى الميداني التطبيقي؟ فلن يطارد بعض أهل التدين الناس في شوارعهم وملابسهم وحركتهم وفي جامعاتهم وأماكن عملهم؟ هل سيسمحون للناس بالفرح بالحرية وباتخاذ قرارات حياتهم دون وصاية من أحد، ويتركون للقانون الشامل أن ينظم الحياة؟
من الصعب تخيل أن يحدث ذلك دفعة واحدة، والأقرب للعقل أن تظهر كل آثار الفهم الديني الذي يقوم على القسر والقهر أكثر من احتمالية العكس. لقد سرقت الثورة مرة لصالح نوع من الفهم، فدمرت مشروع الحرية وانتهت بالناس إلى المنافي، ودمرت الوحدة فأنشأت أكثر من 300 فصيل متناحر. والخوف أن تسرق فرحة الناس ثانية، فالفهم الخاطئ لا يزول بجرة قلم. ملايين السوريين في الخارج والداخل متمدنون بطبعهم وتدينهم معتدل، ولكن من سرق الثورة الأولى هم الأكثر تشددًا ونزوعًا إلى العنف، والخوف على الثورة الثانية. وأعرف كفاح كثير من أهل العلم المستنيرين ضد التطرف في السنين الماضية، ولكن ذلك ليس كافيًا لردم أفكار وممارسات مستقرة. والأفضل من وجهة نظري ابتداءً الاعتراف بوجود المشكلة والإعلان المبكر عن حزمة الإجراءات الوقائية.