استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

غزْل فلسفي: كيف نسجت المنهجيات الفكرية حكايات الحكمة


علاقة الحكمة بالفلسفة: هي رحلة عبر الزمان والمكان الحكمة والفلسفة كلمتان ترتبطان ارتباطًا وثيقًا وكلاهما يسعيان إلى فهم الكون والإنسان والحقيقة المطلقة. 
بداية يتبادر سؤال بديهي  عن ماهية العلاقة الدقيقة بينهما؟ وهل من السهل  التفريق بينهما؟
الحكمة: جوهر الإنسان
الحكمة هي تلك القدرة الفطرية لدى الإنسان على التفكير العميق واتخاذ القرارات الصائبة، والتعامل مع الحياة بحنكة ورشد. هي ليست مجرد معرفة، بل هي تطبيق لهذه المعرفة في الحياة اليومية. الحكمة تجتمع فيها المعرفة والعقل والخلق، وهي جوهر الإنسان الكامل.

الفلسفة: حب الحكمة والبحث عنها.

و تعريف آخر هي نشاط عقلي يهدف إلى فهم الأسئلة الكبرى عن الحياة والكون والوجود.
يسعى الفلاسفة إلى بناء نظريات شاملة عن العالم، وتطوير طرق تفكير منطقية.

العلاقة بين الحكمة والفلسفة علاقة تكاملية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

 الحكمة هي الهدف والفلسفة هي الوسيلة: الفلسفة هي الأداة التي يستخدمها الإنسان للوصول إلى الحكمة من خلال التفكير النقدي والتحليل المنطقي.
يحاول الفيلسوف فهم العالم وتطوير نظريات تساعده على اتخاذ القرارات الحكيمة.
 الحكمة هي التطبيق والفلسفة هي النظرية: الحكمة هي تطبيق الفلسفة في الحياة الواقعية. الفيلسوف قد يطور نظريات معقدة حول الطبيعة والكون ولكن الحكيم هو الذي يستخدم هذه النظريات لحل المشكلات والتغلب على التحديات.
 الحكمة والفلسفة تتكاملان: الحكمة لا تكتمل بدون الفلسفة والفلسفة لا قيمة لها إذا لم تؤدِ إلى الحكمة.

الحكمة والفلسفة في مختلف الثقافات

تختلف رؤية الحكمة والفلسفة باختلاف الثقافات والحضارات. ففي الفلسفة اليونانية القديمة، كانت الحكمة مرتبطة بالبحث عن المعرفة المطلقة وفي الفلسفة الإسلامية كانت الحكمة مرتبطة بفهم الدين وتطبيق الشريعة.
  • الحكمة والفلسفة في العصر الحديث
في العصر الحديث تباعدت الحكمة والفلسفة إلى حد ما؛ فالفلسفة أصبحت أكثر تخصصًا وأكثر تجريدًا؛ بينما أصبحت الحكمة مرتبطة أكثر بالتطوير الشخصي والروحانية؛ ومع ذلك، لا تزال الحاجة إلى الحكمة قائمة ولا تزال الفلسفة تلعب دورًا مهمًا في تشكيل تفكيرنا وعالمنا.
الحكمة في القرآن الكريم هي كنز لا ينفد ونور يضيء الدروب وهدى يقود إلى الصواب. لقد حفل القرآن الكريم بآيات كريمة تتحدث عن الحكمة، وتحث على طلبها والعمل بها.
الحكمة في اللغة العربية تعني الفهم العميق للأشياء، والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، والتصرف بحكمة في المواقف المختلفة؛ أما في الاصطلاح القرآني فإن الحكمة تشمل مجموعة من المعاني العميقة منها:
 العلم والمعرفة: الحكمة تتطلب العلم الواسع والمعرفة العميقة بالكون والحياة.
 الفهم والتدبر: الحكمة هي القدرة على فهم معاني الأشياء وتدبر آيات الكون، واستخلاص العبر والدروس.
 الحصافة والروية: الحكمة هي اتخاذ القرارات الصائبة بعد التفكير والروية وعدم التسرع في الحكم.
 التقوى والورع: الحكمة مرتبطة بالتقوى والورع أي الخوف من الله والعمل بما يرضيه.

أهمية الحكمة في القرآن:

أكد القرآن الكريم على أهمية الحكمة وحث المؤمنين على طلبها والعمل بها. 
ومن آيات القرآن التي تتحدث عن الحكمة:
{ یُؤۡتِی ٱلۡحِكۡمَةَ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِیَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: 269]

هذه الآية الكريمة  تدعونا للتدبر والتفكر فتربط الحكمة بتدبر آيات الله الكونية والشرعية و بلوغ الحكمة لا يتأتى إلا لذوي الألباب.  
و أولو الألباب هم أصحاب القلوب السليمة والعقول الرشيدة الذين يتفكرون في آيات الله، ويستخلصون العبر والدروس من كل ما يحيط بهم. هم الذين يدركون حكمة الله في خلقه وتدبيره ويتبعون هديه ورشده.

{ أَمۡ یَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَیۡنَاۤ ءَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَیۡنَـٰهُم مُّلۡكًا عَظِیمࣰا }
[سُورَةُ النِّسَاءِ: 54]

{ الۤرۚ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ }
[سُورَةُ هُود. 1]
يأخذ مصطلح الحكمة من هذه الآية مفهوم الشمول.
{ ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِیلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ }
[سُورَةُ النَّحۡلِ: 125]
ومن أبعاد الحكمة 
اللين وحسن الخطاب.

{ وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا لُقۡمَـٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن یَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدࣱ }
[سُورَةُ لُقۡمَانَ: 12]
أعلى مراتب الحكمة معرفة الله وتوحيده.

أشهر الفلاسفة لكل منهجية فلسفية

تتنوع المنهجيات الفلسفية وتتطور عبر التاريخ ولكل منهجية أسماء فلاسفة بارزة ساهمت في تطويرها وتعميقها. 
1. المنهج الاستقرائي:
  يعتبر فرانسيس بيكون أحد أبرز رواد المنهج الاستقرائي، وقد أكد على أهمية التجربة والملاحظة في الوصول إلى المعرفة العلمية.
   
2. المنهج الاستنباطي:
  يُعتبر أرسطو أحد أبرز الفلاسفة الذين استخدموا المنهج الاستنباطي في منطقهم حيث بدأ من مقدمات عامة للوصول إلى استنتاجات محددة.

3. المنهج التحليلي:
 كان لودفيغ فيتجنشتاين أحد أبرز الفلاسفة التحليليين، وقد اهتم بتحليل اللغة واستخدامها في الفلسفة.

4. المنهج التخيلي:
  استخدم إيمانويل كانت التخيل في بناء نظرياته حول المعرفة والواقع مثل فكرة النظريات النقية للعقل.

5. المنهج الجدلي:
  كان فيلهلم فريدريش هيغل من أبرز الفلاسفة الذين استخدموا المنهج الجدلي، حيث ركز على التناقض والحركة والتطور في الفكر.
  
6. المنهج التاريخي:
 استخدم فيلهلم فريدريش  هيغل بالإضافة إلى المنهج الجدلي المنهج التاريخي لدراسة تطور الفكر الإنساني.

7. المنهج الظاهراتي:
  يعتبر إدموند هوسرل مؤسس المدرسة الظاهراتية، وقد اهتم بدراسة الظواهر كما تظهر للوعي.
   
8. المنهج الوجودي:
  يعتبر كيركيغارد من أوائل الفلاسفة الوجوديين، وقد اهتم بمسائل الوجود والمعنى والحياة.
   
 جان بول سارتر:  ساهم سارتر في تطوير الفلسفة الوجودية وركز على مفهوم الحرية والمسؤولية الفردية.
   
جدير بالذكر أن لا مفر من  التداخل بين المنهجيات: فغالبًا ما يستخدم الفلاسفة مزيجًا من هذه المنهجيات في تحليلاتهم ولا ينحصر كل فيلسوف في منهج واحد.
 تطور المنهجيات: تطورت المنهجيات الفلسفية عبر التاريخ ولا يوجد منهج واحد صحيح مطلق.
 التنوع الفلسفي: هذا مجرد مثال على بعض أشهر الفلاسفة المرتبطين بكل منهجية، وهناك العديد من الفلاسفة الآخرين الذين ساهموا في تطوير هذه المنهجيات.

الارتباط بين المنهجيات الفلسفية العامة والفلسفة الإسلامية:

 هناك تداخل كبير بين المنهجيات الفلسفية التي تطورت عبر التاريخ والفلسفة الإسلامية؛ وفيما يلي نستكشف هذا الارتباط بشكل أعمق:

1. المنطق الأرسطي والمنهج الكلامي:

ارتباطه بالفلسفة الإسلامية: 
 التبني والتطوير:
تبنت الفلسفة الإسلامية المنطق الأرسطي كأداة أساسية لتحليل المفاهيم والمعارف.
 المنهج الكلامي: طور الفلاسفة المسلمون منهجًا فكريًا خاصًا بهم يسمى "الكلام" يهدف إلى الدفاع عن العقائد الإسلامية باستخدام الأدوات العقلية والمنطقية. هذا المنهج استفاد بشكل كبير من المنطق الأرسطي في بناء حججه وتنظيم أفكاره.
 مثال: استخدم الكلاميون المنطق الأرسطي لبناء حججهم حول وجود الله، ووحدة الوجود، وصفات الله.

2. المنهج الاستقرائي والاستنباطي والفلسفة الإسلامية:

ارتباطه بالفلسفة الإسلامية:
 التوازن: استخدم الفلاسفة المسلمون كلا المنهجين الاستقرائي والاستنباطي.

 الاستقراء في تفسير القرآن:
 استخدم المنهج الاستقرائي لتفسير آيات القرآن الكريم حيث تم استخلاص القواعد العامة من الأمثلة والقصص الواردة فيه.
 الاستنباط في بناء النظم الفلسفية: استخدم المنهج الاستنباطي لبناء أنظمة فلسفية متكاملة، انطلاقًا من المبادئ الأساسية التي تم استقاؤها من النصوص الدينية والعقل.

3. المنهج التحليلي والفلسفة الإسلامية:

ارتباطه بالفلسفة الإسلامية:
 تحليل المفاهيم: استخدم الفلاسفة المسلمون التحليل اللغوي والمنطقي لتحليل المفاهيم الدينية والفلسفية مثل: الله والوجود والعلم والإيمان.
 مثال ذالك ابن سينا في كتابه "الشفاء"، قام بتحليل مفصل لمفهوم الوجود، وفرق بين أنواع الوجود المختلفة.

4. المنهج التاريخي والفلسفة الإسلامية:

 دراسة تاريخ الأديان: استخدم الفلاسفة المسلمون المنهج التاريخي لدراسة تاريخ الأديان الأخرى، ومقارنتها بالإسلام.
ارتباطه بالفلسفة الإسلامية
 تطور الفكر الإسلامي: استخدموا هذا المنهج لدراسة تطور الفكر الإسلامي عبر العصور، وتأثره بالحضارات الأخرى.

5. المنهج الوجودي والفلسفة الإسلامية:

 التشابه في بعض القضايا: هناك بعض التشابهات بين الفلسفة الوجودية والفلسفة الإسلامية في تناول قضايا مثل المعنى والحرية والموت والبحث عن الذات.
 التصوف الإسلامي: يعتبر التصوف الإسلامي أحد أبرز الأمثلة على الفلسفة الوجودية في العالم الإسلامي.
أوجه الاختلاف والتكامل:
 الهدف: تختلف الأهداف الأساسية للفلسفة الإسلامية عن الفلسفة الغربية.
أهداف الفلسفة الإسلامية
تُعتبر الفلسفة الإسلامية مجالاً واسعاً ومتنوعاً وقد تطورت عبر التاريخ لتلبية حاجات العقل البشري في فهم الكون والإنسان والحياة. وعلى الرغم من تعدد الفلاسفة والمذاهب الفلسفية الإسلامية، إلا أن هناك بعض الأهداف المشتركة التي تسعى الفلسفة الإسلامية إلى تحقيقها:

الأهداف الرئيسة للفلسفة الإسلامية:

 فهم الحقيقة الكونية: تسعى الفلسفة الإسلامية إلى فهم الحقيقة الكونية والوجود وتفسير الظواهر الطبيعية والكونية بشكل منطقي وعقلاني.
 التوفيق بين العقل والنقل: تسعى إلى تحقيق التوفيق بين العقل والنقل (القرآن والسنة) أي بين التفكير المنطقي والوحي الإلهي، لإيجاد رؤية متكاملة للحياة.

 تدبر الكون والإنسان: تدعو الفلسفة الإسلامية إلى تدبر الكون والإنسان، واكتشاف العلائم الإلهية في الخلق وبالتالي تقوية الإيمان بالله.
 تأسيس الأخلاق والقيم: تساهم الفلسفة الإسلامية في تأسيس الأخلاق والقيم السامية، وتحديد مبادئ السلوك الصالح للإنسان.
 البحث عن السعادة الحقيقية: تبحث الفلسفة الإسلامية عن السعادة الحقيقية للإنسان، وتحدد سبل تحقيقها في الحياة الدنيا والآخرة.
 دعم المجتمع: تساهم الفلسفة الإسلامية في بناء مجتمع قوي ومتماسك، يقوم على العدل والمساواة والتسامح.
 التفاعل مع الحضارات الأخرى: سعت الفلسفة الإسلامية إلى التفاعل مع الحضارات الأخرى، واستيعاب أفكارها، وإثرائها بأفكارها الخاصة.

كل تلك الأهداف تتحقق باستقراء وفهم عميق  للدين  من خلال النصوص للخروج بفلسفة إسلامية عن الكون والإنسان والحياة والخلق؛ بينما الفلسفة الغربية تهدف إلى فهم الطبيعة والعالم المادي.
 المنطلقات: تنطلق الفلسفة الإسلامية من مجموعة من المبادئ الثابتة المستمدة من النصوص الدينية بينما الفلسفة الغربية تنطلق من أسئلة فلسفية عامة.

 التكامل: على الرغم من هذه الاختلافات فإن الفلسفة الإسلامية استفادت من المنهجيات الفلسفية الغربية وطورّتها بالتنقيح والإضافة لتناسب احتياجاتها الخاصة.
إن الارتباط بين المنهجيات الفلسفية العامة والفلسفة الإسلامية هو علاقة متشابكة ومعقدة، فالفلسفة الإسلامية لم تكن معزولة عن التيارات الفلسفية العالمية، بل استفادت منها وتأثرت بها وأضافت شروحات و تنقيح  عليها وفي نفس الوقت قدمت إسهامات أصيلة في تاريخ الفلسفة.




د.عائشة مياس

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.