استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الصبر بين الأجر والوزر

شعرة رفيعة كحد السيف على متن جهنم وهي قنطرة إلى الجنة ..

حد فاصل بين الحلال والحرام لا يعلمه كثير من الناس يوشك من يرعى حول تلحمى أن يقع فيه ..

فواصل دقيقة في العقائد بين الشرك والإيمان..

قد يصعب الفصل ويكثر الجدل حول الأعمال القلبية والحكم عليها خاصة من عامة الناس..

وتصحيح النيات وضبط الأعمال أحفظ للأجر وأبعد من الوزر ..

الصبر هل يمكن أن يكون وزرا .. ؟

نعم يمكن ..

ذاك الذي يجازي عليه الله بغير حساب ...؟

لا ..  بل شبيهه

كيف ذلك ؟

بعض الفروق ..

أرجو أن تعد نفسك في نهاية القراء بالامتثال للصبر وليس لغيره لتؤجر ولا تؤزر

الصبر لغةً:
 نقيض الجَزَع، صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْـرًا فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ وصَبُور والأُنثى صَبُور أَيضًا بغير هاء وجمعه صُبُـرٌ.
وأَصل الصَّبْر الحَبْس وكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه،
والصبر: حبس النفس عن الجزع .

الصبر اصطلاحًا:
(الصبر هو حبس النفس عن محارم الله، وحبسها على فرائضه، وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره) .

لمن يقدر على اقتراف الذنوب ويصد ابتغاء مرضاة الله وهذا من الأسباب الجالبة لمحبة الله " إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى "

وهذا والله صبر يحتاج لإيمان بقوة الجبال الراسيات والعون من الله
(رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَا فَٱعۡبُدۡهُ وَٱصۡطَبِرۡ لِعِبَـٰدَتِهِۦۚ هَلۡ تَعۡلَمُ لَهُۥ سَمِیࣰّا)

وقيل هو:(ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله) .

البلوى : ماذا تكون وكيف تصنف ضمن مستحقات الصبر المأجور عليه ؟

البلوى يقصد به: الحالة أو الحادثة التي تشمل كثيرًا من الناس ويتعذر الاحتراز عنها،

وعبر عنه بعض الفقهاء بالضرورة العامة، وبعضهم بالضرورة الماسة، أو حاجة الناس،
وقال بعضهم: هو ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال.

(وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ٰ⁠لِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ)

مثلا : الزلازل والبراكين والمرض والفقد بالموت والافتقار...

فكل هذا لا سبيل لدفعه ولا قبل لنا برده عنا سوى أن نصبر ونحتسب وهو من رحمة الله موقوت وليس دائم .

وقيل الصبر: (حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه)

حبس النفس على: طلب العلم ومتاعبه ، و طلب الرزق ومشقته ، ورعاية الأولاد وتربيتهم وماتقتضيه من عنت ..

(وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَیۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقࣰاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ)

وحبسها عن : الانتحار والتخريب والإفساد والسرقة والقتل وتعاطي المخدرات...

هناك معنى آخر  يجلب على كل هذه المهالك بتلبيس من إبليس واهما أنه صابر ..

أن يبالغ في التحمل حد الأذى وانتظار الهلاك حتى يصل لمرحلة القنوط ..
القنوط لغةً: أصل هذه المادة يدُلُّ عَلَى الْيَأْسِ مِنَ الشَّيْءِ، فالقُنُوط: اليأْس.

وقيل: أَشدُّ اليأْس من الشَّيْءِ. مصدر قَنَط يَقنِطُ (من باب ضرب) ويَقنُطُ (من باب قعد)، وقَنِطَ يقنَط (من باب تعب)، وهو قانِطٌ وقَنُوط وقنِط ..

القنوط اصطلاحًا:  قال الشوكاني: "القنوط: الإياس من الرَّحمة"

الفرق بين اليأْس والقنوط والخيبة -

الفرق بين اليأْس والقنوط: أكثر العلماء على أنهما بمعنى واحد

ويرى بعض العلماء أن بينهما اختلافًا، وأن القنوط: أتم اليأس وأشده

 وقيل: إن اليأس من منعات القلب، والقنوط ظهور آثاره على ظاهر البدن

 الفرق بين اليأْس والخيبة:

1- الخيبة لا تكون إلا بعد أمل، لأنها امتناع نيل ما أمل.

2- اليأْس: قد يكون قبل الأمل، وقد يكون بعده

ماذا يعني هذا ؟

هل تظن أن الله عزوجل قد أمرنا بما لا طاقة لنا به ؟
هل تعتقد أنه بعد تكريم الله لنا على الملائكة سيجعلنا تحت وطأة ما نعجز عن تحمله أبدا ويأمرنا بالتحمل دون أن ندفع عن أنفسنا أو نغير واقعنا؟

تعالى الله عن ذلك الظلم البين : (إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَیۡـࣰٔا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ)

إذا كان الصبر تحمل ما عمت به البلوى مما لا يملك الإنسان سبيل لدفعه وهو من رحمة الله مؤقت زائل لا يدوم ..

أما الضرر الذي يسطيل أمره ويتمدى خطره ويفدح خطبه ويمعن في أذاه فنحن مأمرون بدفعه عنا فورا وبكل قوة وطاقة ..

(وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ)

(أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُوا۟ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِیرٌ)

ومن تأذى في سبيل دفع هذا الضر يعد من الصابرين

لكن وهو يدفع عن نفسه وأهله ودينه وليس وهو خاضع مستكين مسلم ظهره لسياط جلاده ..

(وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِینَ وَنَبۡلُوَا۟ أَخۡبَارَكُمۡ)
ومن شرد من دياره أو فر بدينه وعرضه وحاول استجماع طاقته لمعاودة دفع الظلم وقع أجره على الله وإن كانت رحلته أطول من عمره ..

(وَمَن یُهَاجِرۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یَجِدۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُرَ ٰ⁠غَمࣰا كَثِیرࣰا وَسَعَةࣰۚ وَمَن یَخۡرُجۡ مِنۢ بَیۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ یُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا)

لكنه بذل كل ما يقوى عليه مخلصا مستنفذا كل أسبابه أمام الله ..

نحن المكرمون على الملائكة خلق الله أبانا آدم عليه السلام بيديه ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له ونفى إبليس من الجنة للأبد لأنه تكبر عليه ..

نحن لم نخلق للركوع والخضوع إلا لله ..

لسنا مجبورون على تحمل الأذى والقبول بالذل  تحت ذريعة الصبر وانتظار الفرج..

لا ليس صبرا ... بل ضعفا ونزولا عن عرش التكريم والتمكين إلا ضعة الاستعباد والهوان..

كل مستضعف مأمور بدفع الضر عن نفسه مأجور على هذا..

ماذا إذا فقدنا الأمل وتسلل اليأس والقنوط إلى قلوبنا وجففت الخيبات كل أنهار الأمل واستسلمنا للظلم والقمع والقهر ؟
نحن عندها مأزورون وأمام الله مسؤولون ..

ماذا إذا كان دفع الضر رحلة لا آخر لها ؟

ألا يكفيك أجر الشهيد ومنزلته مكافأة لك على رحلتك هذه..

عنْ أَبي الأعْوَر سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ، أَحدِ العشَرةِ المشْهُودِ لَهمْ بالجنَّةِ، قَالَ: سمِعت رسُول اللَّهِ ﷺ يقولُ:
"منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيد"ٌ.

رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

كل من يقع عليه ضرر يستطيع دفعه بعضه أو كله ولو بالكلمة ؛  فهو مأمور بدفعه مأزور على تقبله ..

يا كل امرأة تتلظى الهوان والقهر من أي أحد وتقبل بذريعة الصبر والخوف والانكسار ؛  أنت مخطئة وشريكة في شرعنة وقوع الظلم على النساء لأنك لم تدفعي عن نفسك وتجعلي الظالم عبرة لكل ظالم ..

يا كل مرؤوس يذوق ألوان الهوان تحت سوط من يعلوك رتبة وتستكين بدافع لقمة العيش ؛ بئست اللقمة المخضبة بالذل أنت مأمور بالدفاع عن نفسك ورفض الظلم وأما رزقك فعلى الله..

يا كل إنسان في هذه الدنيا يقع تحت وطأة قهر أو ذل دااااااااااافع عن حقك وحريتك ..
لقد خلقك الله حرا فلا تقبل بلجام وتساق كالبهائم طوعا ..

يا كل بلادي العربية السجينة المغتصبة ..

يا أمة المليار أما كفاك تمحيص وترويا وحكمة وتعقلا واستنارة ؟

ألم يتبين الخيط الأسود من الأبيض وصارت شمس الحقائق في كبد السماء؟

ألم يصطف جلادوك ويستلون سياطهم على بنيك إفقارا وقتلا وانتهاكا وسلبا ؟

ماذا بقي لتبقي على صمتك وسكونك حتى عباءة هويتك صوت تمزيقها تسمعه الكواكب السيارة ؟

لا تقنطوا ولا تستكينوا ولا تقبلوا بما تملكون دفعه ..

مهما استطال زمن الدفاع ومهما خسرنا في سبيله فيكفي أن الله ناصر من دافع عن نفسه الظلم..

ولو بعد حين ..

(غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ۝  فِیۤ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَیَغۡلِبُونَ ۝  فِی بِضۡعِ سِنِینَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَیَوۡمَىِٕذࣲ یَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ۝  بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ یَنصُرُ مَن یَشَاۤءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ)

ومن تسلل اليأس لقلبه وبدأت أمواج القنوط تغزو روحه ليتذكر  ..
(وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا یُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ ۝  یَعۡلَمُونَ ظَـٰهِرࣰا مِّنَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ غَـٰفِلُونَ)

علينا السعي والبذل والدفع ورفض الظلم وعدم قبوله..

 إياكم وادعاء الصبر في غير محله ؛ فمن قبل أو رضي تحت أي ذريعة مأزور غير مأجور..

نعم ..  قد يتأخر النصر وقد نغلب على أمرنا وتطول رحلة النضال وقد تذهب أعمارنا وأموالنا وحياتنا ثمن لهذه الرحلة ..

يكفي أن نموت مستحقين لتكريم الله لنا متحررين من كل عبودية لغيره ..


بقلم :  فاطمة بنت الرفاعي

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.