في خضم التحولات الحالية المباركة التي يعيشها الشقيق السوري، يبرز مفهوم الظلم كمرتكز أساسي في فهم معوقات النهضة، والظلم - كما يتجلى في القرآن الكريم - ليس مقتصراً على السلطان أو المتسلطين، بل هو حالة نفسية وروحية تبدأ من الذات وتمتد إلى المجتمع، يقول الحق سبحانه: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 50]،
وهي آية تكشف عن جوهر الانحراف : اتباع الهوى.
الهوى في أصله انزلاق تدريجي، يشبه كرة الثلج التي تبدأ صغيرة ثم تتحول إلى انهيار شامل. فالإنسان يبدأ بخطوة بسيطة من التجاوز، ثم يبرر سلوكه، ثم يتمادى حتى تسقط كل الحواجز الأخلاقية.
يؤكد الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره أن الظلم يتمثل في "مخالفة أمر الله، وترك الطاعة، وتكذيب الرسول، وتبديل العهد، واتباع الأهواء". وهي مراتب متسلسلة من الانحدار الروحي.
محاذير الهوى في طريق النهضة تتعدد:
- تشويه المفاهيم : حين يصبح الهوى معياراً للحكم، تتحول القيم إلى مفاهيم مشوهة.
- إعاقة الإبداع: الهوى يحجر العقل ويمنع التجديد.
- تفكيك المنظومة الأخلاقية: كل انزلاق يفتح الباب لانزلاق أكبر.
يقول سيد قطب رحمه الله: "الذين لا يستجيبون لهذا الدين مغرضون غير معذورين. متجنون لا حجة لهم ولا معذرة، متبعون للهوى".
الظلم المتعدي - وهو أخطر مراحل الانحراف - يتجاوز حدود الذات ليؤثر في المجتمع بأكمله. فالفرد حين يتبنى منطق الهوى يصبح ناشراً للضلال، مؤسساً لثقافة الانحراف.
وللخروج من دائرة الظلم، يقدم القرآن الكريم مفاتيح أساسية :
* التذكر: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ الآية 51 القصص
* الإيمان: ﴿هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ الآية 52 القصص
* الاعتراف بالحق: ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا﴾ الآية 53 القصص
النهضة الحقيقية إذن ليست مجرد تغيير هيكلي، بل تتطلب تغييراً جذرياً في منظومة القيم، وتصحيحاً مستمراً لانزلاقات الأهواء، والوقوف في وجهها، لذلك قامت الثروة وستبقى وفية لمنطلقاتها بإذن الله.
والله أعلم.
كتابة: حسان الحميني