استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

مشروعية العوائق أمام الثوار وحدود الممكن السياسي

 

مع إنبلاج فجر ثورة الحرية ، و إشراقة شمسها علي جبل قاسيون في دمشق الفيحاء، و بعد تسلم الثوار مقاليد السلطة التي كانت مغتصبة من الأسد الفارّ،  إنبرت أقلام  تعبّر و إنطلقت أصوات تحذر،  من كيد الأعداء و خطورة مخططاتهم ، و تصفهم بأنهم كانو السبب في إسقاط الثورات في بلدان الربيع العربي، أو سرقت مكتسباتها علي الأقل. و أنهالت المقارنات و الإسقاطات دون مراعات للفروق أو تأمل في  السياقات، فضلا عن الوضع الجيوسياسي ، و تشابك المصالح و تناقض الإرادات. 

ومع أن إرتفاع منسوب الوعي الثوري هو محمدة تستحق الإعتزاز و رصيد ذخر تتسلح به الأمم ، إلا أن فكرة التذمر من  تربص الأعداء و إعاقتهم، و ضبابية الفهم العميق لحدود الممكن السياسي للثوار في المدافعة لتثبيت نظامهم ، هي نقاط ضمن أخري تستحق الإثارة و التأمل.

إن من المهام الأساسية  لأي عدو أن يعيق  خصمه عن الوصول لهدفه، و ليس فرش الورود في طريقه وإفساح المجال له و تشجيعه.  و عليه فالمدافعة سنة من سنن الله في الكون ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ). و لابد من أن ندرك أن التحديات و العقبات التي سيضعها كل من أضرت الثورة بمصالحه أو تدخل الأعداء لدعمه ، آتية لا محالة. و مهمة الثوار هو التفكير الجدي في تجاوزها وليس التذمر من وجودها أو التهويل من مخاطرها. فالصراعات علي السلطة و كيد الأعداء  أمر سرمدي، يظهر أحيانا بشكل علني و يخبو أحيانا أخري، و يأخذ أشكالا و قوالب مختلفة . لكنه لا يندثر. بل سيظل متربصا بالثورة الوليدة في البيئة المعادية ، في إنتظار إقتناص الفرصة المناسبة. و عليه، فاليقظة  لمخططات الأعداء و التوثب لمجابهة تحدياتهم، أمر لا مناص منه. 

لكنّ كل تحدي أو عقبة يجتازها الثوار ستفتح مسارا جديدا للتعلم من التجربة، فتوسع مداركهم و تقوي إرادتهم و تردع شانئهم. وتحوّل أخطاء الأمس إلي دروس الغد. هذا فضلا عن كون اللاعب السياسي مضطر للتفاوض مع مخالفيه و أعدائه أحيانا. و قدرته علي حصد المكاسب تتوقف أساسا علي حدود إمكاناته في أرض الواقع، و بما يملكه من و سائل ضغط أو عوامل جذب. بغض النظر عن سُمُوّ ما يؤمن به من أفكار و ما يعتقده من مبادئ. فهو يعمل في حدود الإمكان و لا يسبح في فضاء القيم المجردة. وإكراهات الواقع أحيانا قد  تضطره إلي الإختيار بين أهون الشرين، و ليس بين الصواب و الخطأ.  فهو ملزم للموائمة بين ما يدعو إليه قواعده و يقود إليه شعبه، و بين مراعات ما يتحكم فيه أعدائه مما هو في أمس الحاجة إليه، من غذاء و كسوة  و دواء. و عليه فكلما إتسعت دائرة  الإمكان لديه تمَلّكَ قدرة أكبر علي المناورة و فرض شروطه ، و كلما ضاقت هذه الدائرة، إنحسرت خياراته و كبّلت تحركاته. و لنا في قصة أبا بصير رضي الله عنه ، و الذي سلمه النبي صلي الله عليه وسلم في صلح الحديبية لقريش عندما جائو يطلبونه ، خير دليل. فإمكانات المسلمين و قتها و ما يملكونه من أوراق لم تسمح لهم إلا بعقد هذا الاتفاق، الذي سمي بعد ذالك بالفتح المبين ، علي الرغم من أن في ردّ أبا بصير رضي الله عنه إلى المشركين فتنة في دينه. 

و في الأخير فإن التحديات السياسية و العقبات الكئود، هو قدر أي منظومة  للحكم تسعي لتثبيت نفسها في وسط معادي . و  دور الثوار هو إبتكار طرق للتغلب عليها، من منطلق ما يملكونه من أدوات علي أرض الواقع وليس من قداسة ما يعتقدونه من مبادئ.  مع مراعات ضرورة الموائمة بين عدم تنفير المؤازرين أو إستفزاز المتحكمين. فممكنات الفعل السياسي في أرض الواقع  قد تقصر عن تطلعات الطموح الجامح في عنان السماء.

كتابة: عبد الناصر الأمين

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.