خلال جلسة حوارية غنية مع الدكتور جاسم سلطان حول الحالة السورية، طرحت أفكار ومحاور أساسية تتعلق بمستقبل سوريا وسبل العبور الآمن من أزمتها الراهنة. ومن خلال التفاعل مع النقاش، أضفت بعض الخلاصات والنقاط التي أراها منطقية لاستكمال الصورة ووضع تصور أشمل لأولويات ومتطلبات المرحلة القادمة.
سوريا عبر التاريخ: منطلقات أساسية
سوريا ليست فقط دولة تقع ضمن دائرة الجغرافيا السياسية الحساسة، بل هي نقطة ارتطام حضاري وثقافي دائم. موقعها الجغرافي وتاريخها العريق جعلاها في قلب التفاعلات الإقليمية والدولية. ورغم المحن، تمتلك سوريا مقومات للنهضة من جديد، أهمها:
• التجانس الديني والاجتماعي الذي يمنحها فرصة لبناء دولة مستقرة.
• النسبة الكبيرة من الشباب الذين يشكلون أداة للتغيير والتطوير.
• الجوار التركي الذي يمكن أن يشكل شريكاً في إعادة البناء.
• خبرات المغتربين التي تمثل ذخراً معرفياً واقتصادياً ضخماً.
أولويات العبور الآمن: من ضبط السلاح إلى ملامح الدولة
- استعادة النظام وحماية المؤسسات: أي عملية انتقالية تبدأ بإعادة النظام وضبط السلاح لمنع الفوضى وحماية مؤسسات الدولة من التفكك.
- إعادة الخدمات الأساسية: الخطوة التالية هي ضمان استمرارية الخدمات الحيوية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم مما يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.
- حكومة تسيير أعمال مؤقتة: التركيز على الوزارات الخدمية وتلبية احتياجات المواطنين بعيداً عن المحاصصة السياسية.
- بناء أجهزة الجيش والشرطة والقضاء: المرحلة الأهم هي إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية والقانونية على أسس مهنية تراعي احتياجات الدولة وتحفظ الأمن وحقوق المواطنين.
- تشغيل عجلة الاقتصاد: يتطلب الوضع السوري خطة تنموية متوازنة لإحياء الإنتاج وفتح القنوات التجارية، مع التركيز على الساحل وشرق سوريا.
- معالجة التوترات الاجتماعية والمظلوميات: تهدئة مخاوف الأقليات والأفراد الذين عانوا مظلوميات كبيرة يساهم في بناء مجتمع متماسك.
- إدارة المساعدات الدولية بحكمة: تحقيق الشفافية في إدارة الدعم الدولي لضمان الاستفادة منه في إعادة البناء الفعلي.
- حماية الحدود واستعادة السيادة: تأمين الحدود ومنع التدخلات الخارجية التي تستغل الثغرات الأمنية والسياسية.
- بلورة ملامح الدولة القادمة: بعد الاستقرار، يبدأ النقاش حول شكل الدولة ونظام الحكم الذي يضمن مشاركة عادلة لجميع مكونات المجتمه، مع التأكيد على التواضع في سقف التوقعات مع أول حكومة منتخبة لضمان الواقعية وتجنب الإحباط.
أسباب الفشل: كيف نتجنب الإخفاقات السابقة؟
- غياب الرؤية المشتركة: يؤدي الخلاف بين الأطراف على الحدود الدنيا إلى ارتباك وصراعات شخصية ومحاصصات سياسية وصراع على النفوذ.
- غياب ترتيب الأولويات: الانشغال بملفات خلافية كبرى مبكراً يضعف أي مشروع سياسي.
- التدخل الأجنبي: الانقسامات الداخلية وغياب التوافق الداخلي في اتخاذ القرار السياسي تفتح المجال لتدخلات خارجية تستغل الانقسامات لتفرض أجنداتها.
- الضغوط الاقتصادية: الوضع الاقتصادي المتردي يضعف قدرة الحكومات على تحقيق الاستقرار ويؤدي إلى توترات اجتماعية.
مرتكزات العبور الآمن: شروط واستراتيجيات
- الحد الأدنى للعيش المشترك: بناء الدولة على أسس الحقوق والعدالة والكرامة بعيداً عن المحاصصة والصراعات.
- الإصلاح الأمني والعسكري: إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية وضمان احترام القانون وحقوق الإنسان.
- تعزيز العدالة الانتقالية: احتواء المشاعر السلبية وتحقيق المصالحة الوطنية عبر أطر قانونية تضمن العدالة.
- بناء مؤسسات فعالة وتنمية اقتصادية: إنشاء مؤسسات قادرة على تقديم الخدمات وضمان التنمية المستدامة.
- التوافق على الدولة المدنية: تبني فكرة الدولة المدنية كإطار يضمن مشاركة الجميع. حيث ينبغي قبول جميع الفئات بما في ذلك الإسلاميين لفكرة الدولة المدنية، وينبغي أن يكون هناك تقبل من العلمانيين لدور الإسلاميين في الحياة السياسية.
- احتواء مخاوف الأقليات: معالجة مخاوف الأقليات لضمان وحدة المجتمع ومنع استغلالها. حيث ضرر التقسيم ان حصل سيتأثر به الجميع حتى وان حقق مكاسب تكتيكية مؤقتة لبعض الفئات.
خاتمة: حكمة الأولويات
العبور الآمن لسوريا يتطلب ترتيب الأولويات وفق رؤية استراتيجية واضحة، مع تأجيل بعض الملفات المعقدة لحين استقرار الدولة. سوريا، بتاريخها وإمكاناتها، قادرة على التعافي شرط بناء دولة القانون والمؤسسات بعيداً عن الصراعات الضيقة والمحاصصة.
هذا المقال يمثل محاولة لعرض رؤية استراتيجية للعبور الآمن، حيث أن سوريا تستحق جهوداً مخلصة ومشتركة لتحقيق مستقبل أفضل.
ونرجو من الله أن يهيئ للسوريين أشخاص تبحث عن مصالح البلد وتهتم فيه، وليس أشخاص تبحث عن مكان لها ضمن منظومة السلطة أو المصالح…
للأسف عقلية البعث القائمة إما الأسد او نحرق البلد، سنجدها تتجلى بأشكال أخرى، ومن أبناء جلدتنا من خلال إما ندخل باللعبة من منطلق الإستقواء بالخارج او نخرب البلد…
ومن تجربتنا في العمل المدني، ليس بالضرورة كل شخص أو مؤسسة نزلت على الأرض وتعمل فهي نظيفة أو يعطيها ذلك صك الغفران…
هناك مؤسسات تتمنى الأرض السورية أن تتخلص منهم… حيث من لم يؤتمن عأموال الإغاثة وسرقها أكيد لا يمكن أن يؤتمن على بلد…
د. حسان جنيدي