استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

إدارة المرحلة في سوريا بين الطموح والواقعية

نعيش مرحلة حافلة بالتحديات والإنجازات، في زمن تتداخل فيه الأزمات مع الفرص. إلا أن جوهر المسألة يكمن في كيفية التعامل مع هذه المرحلة من منظور متوازن يجمع بين الطموح والواقعية، ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.

أولاً: الحاجة إلى الواقعية والتخطيط الزمني

إن الحلم بتحقيق التحولات الكبرى أمر مشروع، بل ضروري، لكنه يتطلب إطاراً زمنياً محدداً وأهدافاً معقولة قابلة للتحقق. فالوقت ليس مطلقاً؛ هناك أمور تحتاج سنوات وخططاً مرحلية، وأخرى لا تحتمل التأخير وتتطلب تدخلاً عاجلاً، مثل حماية الاقتصاد من الانهيار ومنع تدهور أوضاعه الحالية. هذه المسائل لا تحتاج معجزات، بل إدارة طوارئ حكيمة وسريعة.

ثانياً: العقول المتزنة لا تنشد الكمال

من الطبيعي في أي مرحلة انتقالية أن يحدث شيء من النقص أو الأخطاء، فالتجارب الإنسانية ليست مثالية. الاعتراف بذلك يعزز الواقعية ويقلل من الصدمات عند مواجهة العقبات. إن الركون إلى تصور (المُخلص الفردي) الذي سيحمل الحلول الجذرية بيده هو فكرة مُستنزفة لا تثمر. الأمل يجب أن يكون في منظومة متكاملة تُبنى على خطوات مدروسة.

ثالثاً: متطلبات النجاح بعد النصر

الانتصار في أي مرحلة يجب أن يُبنى عليه، لا أن يكون نهاية الطريق. وهنا يأتي الفارق بين النصر في لحظة معينة وواجبات التمكين بعدها. هذه المرحلة تتطلب:

  1. الابتعاد عن الغرور: التواضع في النصر هو علامة النجاح الحقيقي.
  2. تجنب التنازع والاختلاف: التاريخ مليء بأمثلة أفسد فيها التنازع كل إنجاز. لا بد من ضبط التنافس حول المناصب والمكاسب لصالح المصلحة العامة.
  3. الحذر من الأعداء: الركون إلى الراحة بعد تحقيق النصر يُضعف الحذر المطلوب أمام مكر الخصوم وتخطيطهم.

رابعاً: الطموح الواقعي لا يقبل التسويف


التأجيل والانتظار بلا حدود أخطر ما قد يُضعف أي مشروع نهضوي. هناك ملفات تحتاج وقتاً وخططاً طويلة الأمد، لكن أخرى تتطلب خطوات عاجلة وقصيرة الأجل، مثل ضبط الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومنع مزيد من الانهيار. إدارة الأولويات هنا مسألة مصيرية.

خامسًا: إدارة العقل الجمعي


العقل العربي، الذي لطالما طمح للتغيرات الجذرية، يواجه الآن اختباراً حقيقياً. التحدي ليس في الرغبة بالتغيير فقط، بل في بناء إدارات ومؤسسات تستطيع ترجمة هذه الرغبات إلى سياسات وإجراءات عملية. مستقبل سوريا اليوم يعتمد على العقول التي تفكر بمصالح الوطن وتعمل لأجله، لا على الأفراد الباحثين عن دور شخصي أو مكانة.

الختام: بين الحلم والعمل


نحن في زمن استثنائي يتطلب خطوات استثنائية، لكن بحذر وحكمة. النجاح ليس فقط في تحقيق النصر، بل في حسن إدارته بعد ذلك. هذا التوقيت هو فرصة تاريخية لإثبات أن العمل الجاد والإرادة المشتركة يمكنهما بناء مستقبل أفضل.
المسار واضح، ويتطلب التخطيط الواقعي، التنفيذ المدروس، ورفض التسويف والغرور.

نسأل الله أن يهيئ لهذا الوطن من يعمل بإخلاص وتفانٍ لتحقيق مصالحه، بعيداً عن الأهواء والمصالح الضيقة.


د. حسان جنيدي

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.