معرفة التاريخ البشري وكيف تمت صيرورة الانسان على الأرض وتطوراته الكبرى أمر في غاية الأهمية. يجب أن يحمله صانع النهضة في رحلته المعرفية .
سنتعرف في هذا الدرس على أهم النقلات التي حصلت في رحلة تطور البشرية.
*النقلة الأولى: الانسان العاقل (المجتمع الأول) *
*الإنسان العاقل*
- تشير الأدلة الأحفورية إلى أن الإنسان العاقل ظهر لأول مرة في إفريقيا قبل حوالي 300 ألف سنة.
- ثم انتشر البشر عبر القارات وطوروا مختلف الثقافات والحضارات التي نعرفها.
*تأسيس المجتمعات الأولى* :
- في البداية، كان الإنسان يعتمد على الصيد وجمع الثمار كأسلوب حياة. يعيش ضمن مجموعات صغيرة في الكهوف. يتنقلون بحثًا عن الغذاء والماء.
- مع مرور الوقت، بدأ الإنسان يلاحظ أن بعض الحيوانات يمكن تدجينها فظهر المجتمع الرعوي.
- ومع اكتشاف الزراعة. أصبحت المجتمعات مستقرة بالقرب من مصادر المياه. مما سمح لهم ببناء مجتمعات دائمة.
- أدى هذا الاستقرار إلى نشوء حضارات معقدة مثل الحضارة البابلية، والأشورية، والأكادية، والمصرية القديمة.
*النقلة الثانية: حضارات الأنهار (من حكمة شفهية الى كتابة موثقة)*
الحضارات التي نشأت حول الأنهار الكبرى، مثل وادي النيل في مصر. دجلة والفرات في بلاد ما بين النهرين. النهر الأصفر في الصين. نهر السند في الهند. كانت شاهدة على هذه المرحلة الانتقالية من: "نقل المعرفة بشكل شفهي وبسيط إلى تطوير أنظمة معقدة للتدوين".
سمحت الكتابة بتوثيق المعرفة، وكانت حجر الزاوية في تأسيس الحضارات التي أثرت في مجرى التاريخ البشري.
*النقلة الثالثة: حضارة اليونان (من نقل الخبرات الى نقل النظريات)
قبل اليونانيين، كانت المعرفة تُنقل شفهيًا أو من خلال تقاليد عملية، بدون إطار نظري شامل و منهجي.
استلهم اليونانيون المعارف من الحضارات المحيطة بهم. مثل الكتابة من الفينيقيين والفلسفات والعلوم من معابد مصر والهند.
ثم قاموا بخطوة فريدة وهي "إنشاء فضاء فلسفي متكامل". حيث تحولت المعرفة من مجرد تراكم للخبرات إلى نظريات موجودة في كتابات متخصصة ومدعومة بالأدلة النظرية والتصورات العقلية.
صاغوا هذه المعرفة في منظومة فكرية متماسكة. هذه المنظومة كانت وسيلتهم لفهم العالم و لنقل المعرفة إلى حضارات أخرى. مثل الرومانية والإسلامية والأوروبية في العصور الوسطى وعصر النهضة.
*النقلة الرابعة : حضارة الرومان (قانون. معمار. عسكر)
بدأت روما في التوسع وضم الأراضي اليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد. لم تكن الفتوحات الرومانية مجرد احتلال عسكري، بل كانت أيضًا وسيلة لنقل الثقافات والأفكار من اليونان.
روما كانت حضارة عملية .تركز على الإدارة، القانون، والهندسة. استفادت من الإرث الفكري اليوناني دون أن تضيف الكثير إلى العلوم والفلسفة.
1 – القانون : القانون الروماني تم تطويره على مدى قرون. وضع أسسا لنظم القانون في العديد من الدول الأوروبية الحديثة.
2 – العمارة : طوروا تقنيات بناء سمحت لهم ببناء هياكل ضخمة ومستدامة مثل" الكولوسيوم" والطرق الرومانية التي ظلت مستخدمة لقرون.
3- العسكرية : الجيش الروماني كان أحد أكثر الجيوش كفاءة في التاريخ، ونظامها العسكري ساعدها في بناء إمبراطورية ضخمة.
بعد دخول المسيحية إلى روما في القرن الرابع، ظهر صراع بين السلطة الدينية الممثلة في البابا والسلطة الإمبراطورية الوثنية الممثلة في الإمبراطور.
مع مرور الوقت، تمكنت الكنيسة من فرض سيطرتها على أجزاء كبيرة من الحياة العامة في روما.
بحلول القرن الخامس الميلادي، كانت الإمبراطورية الرومانية قد ضعفت بشكل كبير . اجتاحت القبائل الجرمانية روما، وأدت إلى سقوطها. تراجعت المعرفة بشكل كبير، وتدهورت المدن.
هذه العصور المظلمة استمرت خمسة قرون. من القرن الخامس حتى القرن العاشر .بعدها بدأت أوروبا تنتعش مجددًا من خلال نهضة دينية وثقافية تدريجية أدت إلى العصور الوسطى.
*النقلة الخامسة : حضارة المسلمين (العصر الذهبي) *
مع ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، توسعت الخلافة الإسلامية بسرعة كبيرة، واحتلت أراضي الإمبراطورية البيزنطية.
عبر هذه الفتوحات، اطلع المسلمون على إرث الحضارات السابقة، بما في ذلك التراث الروماني واليوناني.
فتح المسلمون مدنا مثل الإسكندرية، أنطاكية، ودمشق، التي كانت مراكز رئيسية للمعرفة في العالم القديم، وأخذوا ما فيها من مخطوطات وكتب علمية.
خلال العصر العباسي بدأت حركة ترجمة واسعة للعلوم والفلسفة. كان "بيت الحكمة" في بغداد مركزًا رئيسيًا لهذا النشاط.
علماء مثل ابن سينا (الطب والفلسفة)، الخوارزمي (الرياضيات والجبر)، والبيروني (الفلك والجغرافيا) أسهموا بشكل كبير في تطور العلوم.
ضعفت الحضارة الاسلامية تدريجيا. بالرغم من النجاح العسكري الكبير الذي حققته في صد الحملات الصليبية وتمديد فترة ازدهارها عبر الإمبراطورية العثمانية.
إلا أن أوروبا كانت تشهد تطورات كبيرة في العلم، الفلسفة، والتجارة، مما أدى إلى صعودها التدريجي كقوة عالمية.
*النقلة السادسة:العودة إلى أوروبا (عصر النهضة)
في القرون اللاحقة، انتقلت هذه المعرفة مرة أخرى إلى أوروبا من خلال الأندلس وصقلية. حيث كانت الحضارة الإسلامية في تفاعل مباشر مع أوروبا المسيحية.
كما ساهمت الحروب الصليبية في نقل بعض هذه المعارف إلى الغرب. من خلال الترجمات اللاتينية للأعمال العربية في الطب، الفلسفة، والرياضيات.
استعادت أوروبا الكثير من المعرفة التي كانت قد فقدتها خلال العصور المظلمة، مما ساعد في تحضير الأرضية لعصر النهضة.
* الخاتمة* :
في الدرس القادم سنكمل الرحلة، وندرس التاريخ الأوروبي الحديث .