استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

(وأن إلى ربك المنتهى) - في أبعاد النهضة الربانية

 مدخل:

تمثل الآية 41 من سورة النجم قمة في البناء النفسي والتربوي للإنسان الناهض، حيث تؤسس لرؤية شاملة تجمع بين عمق الغاية ووضوح المسار. وفي هذا المقال نتدبر أبعاد هذه الآية الكريمة وأثرها في بناء الشخصية الناهضة.

 أولاً : الآية في سياقها

تأتي الآية في سياق قواعد متتالية تشد بعضها بعضاً، متدرجة في بناء الوعي والمسؤولية:
1. "ألا تزر وازرة وزر أخرى" - تأسيس المسؤولية الفردية
2. "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" - ربط النتائج بالجهد
3. "وأن سعيه سوف يرى" - تأكيد الرصد والتوثيق
4. "ثم يجزاه الجزاء الأوفى" - ضمان العدالة المطلقة

وتختتم بقوله تعالى "وأن إلى ربك المنتهى" في انتقال بلاغي مهم من الغيبة إلى الخطاب، ليجعل المتلقي يستشعر أنه معني مباشرة بهذا الخطاب.

ثانياً: تفسير العلماء للآية

 1. تفسير البقاعي :
يقول البقاعي رحمه الله: "{المنتهى} أي الانتهاء برجوع الخلائق حساً بالبعث ومعنى بالعمل والعلم، وإسناد الأمور وإرسال الآمال، ومكان رجوعهم وزمانه كما كان منه المبتدأ، أكد ذلك خلقاً لذلك كله وحساباً عليه."

ويكشف هذا التفسير عن:.
- شمولية المنتهى للحس والمعنى.
-  ربط البداية بالنهاية
- إسناد كل الأمور إلى الله

2. تفسير سيد قطب:
يقول سيد قطب رحمه الله: "ولهذه الحقيقة قيمتها وأثرها في تكييف مشاعر الإنسان وتصوره فحين يحس أن المنتهى إلى الله منتهى كل شيء وكل أمر. وكل أحد. فإنه يستشعر من أول الطريق نهايته التي لا مفر منها ولا محيص عنها. ويصوغ نفسه وعمله وفق هذه الحقيقة؛ أو يحاول في هذا ما يستطيع. ويظل قلبه ونظره معلقين بتلك النهاية منذ أول الطريق!"
ويؤكد هذا التفسير:
 . الأثر التحويلي للحقيقة في النفس
. تكييف المشاعر والتصورات
. أهمية استحضار الغاية من البداية

 3. تفسير الشعراوي:
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله : "ولو أيقن الناسُ بهذه الآية وفهموا هذا المعنى لاستقامتْ أمورهم، ولفكَّر الإنسانُ مرة وألف مرة قبل أنْ يُقدم على معصية الله أو ظلم الخَلْق، ولعمل حساباً لهذا المنتهى الذي لابدَّ له أنْ ينتهي إليه."

ويركز على:
- الربط بين اليقين والاستقامة
- الأثر العملي في السلوك
- أهمية استحضار المآل

 4. تفسير ابن عاشور:
يقول ابن عاشور رحمه الله: "وفي الآية معنى آخر وهو أن يكون المنتهى مجازاً عن انتهاء السير، بمعنى الوقوف، لأن الوقوف انتهاء سير السائر، ويكون الوقوف تمثيلاً لحال المطيع لأمر الله تشبيهاً لأمر الله بالحَد الذي تحدد به الحَوائط"

وهو يضيف بُعداً جديداً:
.  أهمية الوقوف للتأمل والمراجعة
.  ضرورة الضوابط في المسير
.  معنى الطاعة والانضباط

 ثالثاً: أثر الآية في بناء الشخصية الناهضة

 1. في بناء التصور:
. تحرير من سجن الظواهر المحدودة
. ربط الحركة بالغاية
.  تأسيس رؤية شاملة للوجود

 2. في توجيه السعي:
.  ربط العمل بالغاية الكبرى
.  تجويد الأداء لأنه معروض على الله
.  تحرير الهمة من القيود المعطلة

 3. في تشكيل السلوك
.  استقامة في المسار
. إتقان في العمل
.  توازن في العلاقات

 الخاتمة:

تؤسس الآية لنهضة مستدامة تجمع بين:
- وضوح الغاية
-  قوة الدافع
- جودة الأداء
- استمرارية التجدد

وبهذا تكون الآية أساساً متيناً لبناء نهضة ربانية واعية بغايتها، قوية في أدائها، مستدامة في عطائها.

والله الموفق.

كتب حسان الحميني.

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.