استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الجوارح شاهدة : رؤية في الاستقامة والنهضة

تتجلى في سورة يس معانٍ عميقة عن مسؤولية الإنسان وأمانة الجوارح، حيث يقول الله تعالى: ﴿ اَ۬لْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَيٰٓ أَفْوَٰهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَۖ ﴾ (سورة يس: آية 65).

يكشف التفسير العميق للآية حقيقة جوهرية مفادها أن الجوارح - اللسان واليد والرجل - ليست مجرد أعضاء بيولوجية، بل هي أمانات تسجيل دقيقة وهبها الله سبحانه للإنسان.

يقول العلامة ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير": "وقد يخيل تعارض بين هذه الآية وبين قوله: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24]. ولا تعارض لأن آية يس في أحوال المشركين وآية سورة النور في أحوال المنافقين. والمراد بتكلم الأيدي تكلمها بالشهادة، والمراد بشهادة الأرجل نطقها بالشهادة، ففي كلتا الجملتين احتباك. والتقدير: وتكلمنا أيديهم فتشهد وتكلمنا أرجلهم فتشهد"،

 فإن هذه الجوارح تسجل كل التفاصيل - الخير والشر - بأمانة مطلقة. وهي ليست فقط شاهدة على السيئات، بل أيضًا مسجلة للحسنات والطاعات.

النهضة الحقيقية، إذن، تبدأ من داخل الذات. فالناهض عليه أن يكون:

  • - صادقًا مع نفسه
  • - عادلًا في تعاملاته
  • - قويًا أخلاقيًا
  • - مبادرًا للخير
  • - متحملًا للمسؤولية بكاملها

وهذا ما تؤكده الآيتان 60 و61 من سورة يس: ﴿أَلَمَ اَعْهَدِ اِلَيْكُمْ يَٰبَنِےٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُواْ اُ۬لشَّيْطَٰنَ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾  ﴿وَأَنُ اُ۟عْبُدُونِےۖ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسْتَقِيمٞۖ ﴾

الصراط المستقيم يتجسد في استقامة الجوارح:

  • - اللسان المستقيم: ينطق بالحق والخير
  • - اليد المستقيمة: تعمل الصلاح وتمتنع عن الظلم
  • - الرجل المستقيمة: تسير على طريق العدل والحق

إن النهضة ليست مجرد شعارات أو مطالبات للآخرين، بل هي منظومة متكاملة من القيم والأفعال التي تبدأ من الداخل.

الوعي بأن الجوارح ستكون شاهدة يجب أن يحدث تغييرًا جذريًا في السلوك. فهذا التنبيه ليس للتخويف، بل للتوجيه والتصحيح، ويحملنا على:
- مراقبة الذات
- التفكير قبل التصرف
- الحرص على فعل الخيرات
- الابتعاد عن المحظورات
- السعي المستمر للعمل الصالح

وكما قال سبحانه في الآية السابعة والثامنة من سورة الزلزلة : (فَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراٗ يَرَهُۥۖ ) *( وَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٖ شَرّاٗ يَرَهُۥۖ )

الخروج من الوهن والغثائية يكون بالوعي والعمل الصالح والالتزام بمنهج الاستقامة.

النهضة الحقيقية هي الاستقامة على الحق، ورفض الوهن بكل أشكاله، وبناء منظومة قيمية متكاملة، ترفع رأس الأمة وتعيدها لسكة العمران.

والله أعلم.

كتب حسان الحميني.

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.