تجديد المفاهيم يكون وصلا بالقرآن لا فَصْلا،
فالقرآن الكريم ليس نصاً جامداً يُتلى فحسب، بل هو دستور حركة وحياة، يحمل في طياته منظومة قيم وأخلاق صالحة لكل زمان ومكان. التجديد الحقيقي يكمن في إعادة قراءة النص القرآني بعمق، وفهم روحه ومقاصده، وتنزيله على واقعنا المعاصر بما يحقق روح الرسالة وجوهرها.
إن الفهم المتجدد للقرآن هو جسر يعبر به المؤمن من عالم النص إلى عالم الواقع، حاملاً معه روح التغيير والإصلاح، مُجَسِّداً القيم العليا في سلوكه وممارساته.
تتجلى العزة في معانيها العميقة كقيمة روحية وأخلاقية تنبع من الارتباط بالله عز وجل، وتتجسد في منظومة متكاملة من الكلم الطيب والعمل الصالح.
العزة ليست شعاراً يُرفع، بل حقيقة تُستشعر في أعماق النفس وتترجم في سلوك الإنسان. إنها حالة من الاستعلاء الروحي الذي يرفض الذل والخنوع، ويسمو بالإنسان إلى مراتب الكرامة والشموخ.
يقول الراغب الأصفهاني في مادة عز "- العزة: حالة مانعة للإنسان من أن يغلب. من قولهم: أرض عزاز. أي: صلبة. قال تعالى: ﴿أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا﴾ [النساء: ١٣٩]. وتعزز اللحم: اشتد وعز، كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه"،
وهي في جوهرها قوة داخلية تحصن الإنسان من الانكسار والخضوع. فالعزة ليست بالقوة المادية، بل بالمناعة الروحية التي تجعل الإنسان محصناً أمام إغراءات الدنيا وضغوطاتها.
وفي التفسير الأمثل يتضح أن حقيقة العزة تتجلى في قدرة الإنسان على:
- التحرر من سلطان الشهوات
- رفض الخضوع للطغاة
- الثبات على القيم والمبادئ
الكلم الطيب والعمل الصالح هما الطريق الأمثل لنيل العزة. فكما يقول البقاعي رحمه الله "ولما رغب في اقتناص العزة بعد أن أخبر أنه لا شيء فيها لغيره، دل على اختصاصه بها بشمول علمه وقدرته، وبين أنها إنما تنال بالحكمة",
يقول سيد قطب رحمه الله "ومن هنا يذكر الكلم الطيب والعمل الصالح: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).. ولهذا التعقيب المباشر بعد ذكر الحقيقة الضخمة مغزاه وإيحاؤه فهو إشارة إلى أسباب العزة ووسائلها لمن يطلبها عند الله : القول الطيب والعمل الصالح. القول الطيب الذي يصعد إلى الله في علاه؛ والعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه ويكرمه بهذا الارتفاع، ومن ثم يكرم صاحبه ويمنحه العزة والاستعلاء. والعزة الصحيحة حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس."
العزة منحة إلهية يناليها المخلصون، كما يقول القرطبي: "من طلب العزة من الله وصدقه في طلبها بافتقار وذل، وسكون وخضوع، وجدها عنده".
وللعزة مراتب:
1- عزة الروح: تحصين النفس من الانحدار
2- عزة الفكر: رفض التسطيح والتفكك
3- عزة العمل: البناء والإصلاح
الناهض الحقيقي هو من يجمع هذه المراتب، فيكون:
- كلمه طيباً يبني
- عمله صالحاً يرتقي
- همته عالية تسمو
ليست العزة في الصراخ والادعاء، بل في الصمت المليء بالإنجاز، وفي الثبات أمام التحديات، وفي الإخلاص في المبدأ والعمل.
فمن أراد العزة فليلتجئ إلى الله، وليجعل همه إعلاء كلمته، وخدمة دينه، والنهوض بمجتمعه.
العزة أمانة في أعناقنا، نحملها بوقار، ونترجمها بأفعال تليق بكرامة الإنسان وشرفه.
كتب حسان الحميني.