استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

استعباد المن

قد يظن الأستاذ أن وجوده في حياة طلابه عطاء واجب الامتنان.. 

لكن في الحقيقة قد يكون هذا الأستاذ لبعض طلابه أكبر عبء؛ إذ يفقدهم وجوده الأمان واحترام الذات والشعور بالاستقرار النفسي.. 

كل هذا الرصيد يسحبه المعلم مقابل بعض المعلومات التي يعطيها لهم.. 

أليس المدفوع أكبر من المحصل؟ 

اسحب هذا المثل على الكثير من العلاقات في حياتنا من التدرج الهرمي في العمل أو العائلة أو الحياة الاجتماعية المفروضة أو المختارة وحتى علاقة الإنسان بنفسه.. 

مبدأ التوازن بين المغنم والمغرم مفقود لدى كثير من الناس خاصة في مجتمعات الوصاية الحكمية.. 

حيث يتسلط الحاكم على رعيته ويعد بعض حقوقهم من جميل إحسانه وكرم معروفه عليهم رغم عدم استحقاقهم ، وكأنه الرب الذي يرزق حتى الكافر.. 

ومع طول زمن القمع يصبح هذا ديدن الناس فالأب يمن على بنيه ببعض حقوقهم والمدير يستعبد الموظفين مقابل راتب قد لا يكافئ عشر بذلهم.. 

وهكذا مع طول المراس يمحق تقدير المرء لنفسه ويرى كل فتات يقدم له جدير مقدمه بالركوع له وتقبيل التراب بين يديه.. 

ومع الوقت يضع الحر في رقبته قيد الاستعباد بدعوى الامتنان والعرفان بالجميل الذي لا يستحقه.. 

وبدون مبالغة رأينا شعوبا تسبح بحمد طاغوتها الأكبر لأنهم مازالوا على قيد الحياة.. 

السؤال كيف مسخت الفطرة إلى هذا الحد وكيف نسي الإنسان حقيقة جوهره؟

ببساطة نسي معنى الاعتراض حيث أنه لم يسمع صوت احتجاج قط وفقد دلالة كلمة "لا" بين عيني كل جائر مستبد.. 

قال لي أستاذ مجرب يوما جملة نفيسة: المبالغة في الامتنان تقيد الحر وتجعله يدفع أثمانا بغير وجه حق .. 

وحتى نزيل هذه اللعنة من الوعي الجمعي علينا أن نبدأ بنفض التراب عن العلاقات الأولية الثنائية بين البشر.. 

وهذا يخالف هوى كل من في يده سلطة حتى حارس البناء الذي يملي تعليماته على الملاك.. 

والأب المتجبر والزوج المستبد والمدير الجائر والصديق المستغل والعالم الوصي على مجموعة من التبع.... والقائمة تطول

وهنا تكون الثورات المضادة نشطة؛ إذ وجدت تربة خصبة في نفوس الأفراد المنتفعين بالاستبداد المتلذذين بالمغانم بذريعة العطاء.. 

إذا أردنا أن نصلح صفحة تاريخ أمة علينا أن نجتهد في قمع شهوات الاستبداد في نفس أقل فرد من شعبها وضمان الصون والعدالة لهؤلاء المتعافين حديثا من سياط الاستبداد .. 

بدءا من الحقوق المدنية وحتى الدستورية التي تلزم الحاكم المفوض.. 

هكذا فقط ربما ننجح في كتابة صفحة تاريخ جديد على جناح صقر محلق في فضاء رحب يحمل للأجيال القادمة مستقبل أكثر إشراقا..

ولكنها معركة أصعب من مقارعة السيوف.. إنها صناعة الوعي الجمعي المغيير لتاريخ الحضارة.. رسالة الأنبياء.. 




فاطمة بنت الرفاعي

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.