استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الإبداع: مفتاح النهوض الحضاري


الإبداع هو جوهر التقدم ومفتاح النهوض لأي مجتمع يسعى للارتقاء حضارياً وثقافياً. يتمثل الإبداع في القدرة على الإتيان بأفكار جديدة ومفيدة تسهم في حل المشكلات، وتحقيق التطور، وصناعة الفرق في حياة الأفراد والمجتمعات. وقد أكد العديد من المفكرين المعاصرين والباحثين في قوانين النهضة على أهمية الإبداع كعامل أساسي في تحقيق التطور الحضاري واستمرار ازدهار الأمم 

مقومات الإبداع الخمسة

الإبداع يعتمد على عدة مقومات أساسية، منها:

1. الطلاقة: القدرة على إنتاج عدد كبير من الأفكار في وقت قصير.

2. المرونة: القدرة على تغيير طرق التفكير والنظر إلى المشكلة من زوايا مختلفة.

3. الأصالة: القدرة على تقديم أفكار فريدة ومبتكرة غير مألوفة.

4. الإفاضة: القدرة على تطوير الفكرة وتوسيعها بالتفصيل.

5. الحساسية للمشكلات: القدرة على ملاحظة المشكلات أو الفرص التي قد لا يراها الآخرون.

وهناك ادوات كثيره لتوليد الافكار مثل سكامبر وكورت وغيرهم.

سكامبر (SCAMPER)

سكامبر هو أداة تفكير إبداعية تُستخدم لتوليد أفكار جديدة أو تحسين أفكار موجودة. الاسم هو اختصار لأحرف تمثل سبع استراتيجيات:

1. S: Substitute (الإحلال) - استبدال عنصر بآخر.

2. C: Combine (الدمج) - دمج فكرتين أو أكثر للحصول على فكرة جديدة.

3. A: Adapt (التكييف) - تعديل الفكرة لتناسب هدفاً مختلفاً.

4. M: Modify (التغيير) - تكبير، تصغير، أو تغيير جزء من الفكرة.

5. P: Put to another use (إعادة الاستخدام) - استخدام الفكرة لغرض مختلف.

6. E: Eliminate (الإزالة) - حذف عنصر غير ضروري.

7. R: Reverse (العكس) - عكس أو إعادة ترتيب العناصر.

كورت (CoRT)

كورت هو اختصار لـ Cognitive Research Trust، وهو برنامج لتعليم التفكير طوره الدكتور إدوارد دي بونو. يهدف كورت إلى تحسين مهارات التفكير من خلال مجموعة من الأدوات والأنشطة. ينقسم البرنامج إلى 6 وحدات رئيسية:

1. توسيع الإدراك: التفكير في خيارات متعددة.

2. التنظيم: تنظيم الأفكار وتحليلها.

3. الإبداع: تطوير أفكار جديدة.

4. المعلومات والمشاعر: تقييم المعلومات بموضوعية.

5. اتخاذ القرارات: التفكير النقدي للوصول إلى حلول.

6. التخطيط: تنظيم الأفكار والعمل بطريقة منهجية.

كل من سكامبر وكورت أدوات فعالة لتطوير الإبداع وتعزيز التفكير بشكل مبتكر.

الإبداع وأثره في النهضة الحضارية


الدكتور طارق السويدان يشير دائماً إلى أن الإبداع ليس مجرد رفاهية فكرية، بل هو ضرورة حياتية لضمان استمرارية المجتمعات في مواجهة التحديات المتغيرة. يقول السويدان إن الإبداع يولد من بيئة تشجع على التجربة والخطأ، وتدعم الأفكار الجديدة، حتى لو بدت غريبة في البداية. ويربط الإبداع بالابتكار، حيث أن كل فكرة مبدعة تتحول إلى مشروع أو منتج يسهم في تحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية.

الدكتور جاسم سلطان، في كتاباته حول قوانين النهضة، يؤكد أن النهضة تبدأ من الفكرة، وأن الأفكار المبدعة هي التي ترسم معالم المستقبل. يشير جاسم إلى أن الإبداع يتطلب منا القدرة على قراءة الواقع وفهمه بعمق، ومن ثم إيجاد حلول غير تقليدية. يربط سلطان الإبداع بنضج العقل الجمعي للأمة، حيث أن المجتمعات التي تدعم النخبة المبدعة، هي التي تنجح في تحقيق نهضتها.

أما الدكتور عبد الكريم بكار، فيعتبر الإبداع أساساً لنهضة الأمة الإسلامية، حيث يذكر في كتبه أن الأزمة الحقيقية في العالم الإسلامي اليوم ليست أزمة موارد، بل أزمة أفكار. يشير بكار إلى أن الحضارات لا تنهار بسبب نقص المال أو القوى البشرية، بل بسبب جمود الأفكار وتقليدية التفكير. ومن هنا، فإن إعادة بناء العقل المسلم ليكون مبدعاً هو مفتاح النهوض بالأمة الإسلامية.

قوانين النهضة والإبداع عند أرنولد توينبي

أرنولد توينبي، المؤرخ البريطاني، يتناول في كتاباته عن "قوانين النهضة" دور الفئة المبدعة في تحفيز المجتمعات. يرى توينبي أن الحضارات تتقدم عندما تمتلك "أقلية خلاقة"، وهي مجموعة صغيرة من الأفراد الذين يتمتعون بقدرة استثنائية على التفكير خارج الصندوق، وتقديم حلول جديدة للتحديات الكبرى. هذه الأقلية الخلاقة هي التي تقود الأمم نحو التقدم، وتمنحها القدرة على المنافسة والبقاء.

على الجانب الآخر، يحذر توينبي من أن الحضارات تبدأ في الانحدار عندما تفقد قدرتها على الإبداع. ويصف هذا الانحدار بأنه نتيجة لجمود فكري يسيطر على المجتمع، حيث يصبح التمسك بالماضي عقبة أمام مواجهة تحديات الحاضر. لذلك، يربط توينبي بين بقاء الحضارات واستمرارية الإبداع كعملية ديناميكية لا تتوقف.
الإبداع كواجب حضاري

في ظل هذه الرؤى، يصبح الإبداع واجباً حضارياً يقع على عاتق كل فرد. إنه ليس مسؤولية النخبة وحدها، بل يجب أن يكون جزءاً من ثقافة المجتمع ككل. لا يمكن أن تنهض الأمة إلا إذا جعلت الإبداع جزءاً من المنظومة التعليميه والقيميه ودعمت المبدعين، ووفرت بيئة ملائمة لتفجير الطاقات الكامنة.

إن الأمثلة التاريخية تؤكد أن الأمم التي دعمت الإبداع، مثل الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها، استطاعت أن تقود العالم في مختلف المجالات، من العلم إلى الفن، ومن الفكر إلى السياسة. في المقابل، فإن انحسار الإبداع في فترات معينة أدى إلى تراجع هذه الحضارات أمام غيرها.

خاتمة


الإبداع هو مفتاح النهوض الحضاري وأساس استمرارية المجتمعات في مواجهة تحديات العصر. من خلال تبني الأفكار الجديدة ودعم المبدعين، يمكن للأمم أن تستعيد مكانتها وتحقق نهضتها. وكما يقول الدكتور عبد الكريم بكار: "الأمة التي تنظر إلى الأمام بعين مبدعة هي أمة لا تُقهر". لذا، يجب علينا جميعاً أن نسعى لتعزيز ثقافة الإبداع في حياتنا اليومية وفي مجتمعاتنا.






د.سامر بن الجنيد القدس

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.