استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

الشورى ورأي الفرد


تبقى الشورى من قواعد الرأي الجمعي في الدولة المسلم والجماعة.. 
وهي مقدَمة سلما وحربا على رأي الفرد وإن كان صوابا.. 
ولكن هذا مقصور على ما يتعلق بالجماعة ومصير الأمة لا فيما يتعلق بحياة الأفراد.. 
وهنا وقفة .. 
كما نشهد في زماننا حكما جبريا مستبدا يأخذ الأمم إلى مهاوي الردى قسرا نرى شورى توسع خرق الملمات على راتقه وتحيل العارض ظاهرة.. 
فكما أن وضع السيف في موضع الندى باطل والعكس أيضا.. 
فإن وضع الشورى في موضع رأي الفرد باطل واستبداد الفرد في مصير الجماعة باطل.. 
وفي هذا تفصيل..
باتفاق أهل الرأي والنقل فإن مصالح الجماعة موقوفة على رأي الشورى.. 
ولكن في مصالح الفرد يكثر الاجتهاد والتأويل والشطط والإجحاف فتضيع الكثير من المصالح ويفرط في الكثير من الحقوق.. 
لا حكم للشورى في علاقة الفرد بالفرد.. كالعلاقات داخل البيوت.. لا حكم للشورى فيها.. فهي موقوفة على وعي ودين وضمير وحكمة كل فرد واجتهاده.. 
وهذا ما يضمن ثقة الطرف الآخر به وتنبئه بسلوكه وميوله فيحسن الطرفان مع الوقت الوصول لمربع الرضا وتقليم أغصان الألم.. 
ولكن أهواء المربين على الصعيد الاجتماعي أو الديني في أنحاء #السجن_العربي_الكبير تميل إلى السطوة والسلطة على المتربين فتجعل الوقوف على قراراتهم شرط لصلاحهم مهما كبروا وتشعبت خبراتهم وارتقت مهاراتهم..
كثير من مشاكل البيوت موقوفة على أن الرأي لكل طرف مرهون بتصويت أفراد عائلته أو جماعة أصحابه أو شيوخه وزملائه.. 
لا أنسى مرة أخبرتني امرأة أربعينية في جلسة تقول: لا أعرف هل أمي شخص طيب أم شرير ودود أم عصبي.. لأن كل قراراتها من وحي أفراد عائلتها حتى إنني أكاد أميز عند كل موقف هذا القرار يرجع لأي شخص منهم.. 
وقد حدثتني زوجة مرة فقال: كنت أعيش حياتي بغلاف من الخشونة والرجولة حتى أحمي نفسي وأحسن تصريف أموري دون أن أكون مطمعا.. 
وحين تعرفت على زوجي ووافقت على الزواج لظني أنه رجل راجح العقل قوي الشخصية متفرد الرؤية .. 
وأكملت تقول: ظننت حينها أنه قد آن الأوان لخلع ثوب الخشونة والتجرد على مأمن منها في ظل رجل بحق..  
ولكني بعد الزواج.. ثم أطرقت قليلا وسقطت دمعة مرارةوتنهدت وقالت: شعرت أنني بحاجة لأثواب تسترني منه.. 
أكملت: إنني لا أعيش مع فرد بل مع لجنة استشارية تشاركه كل قراراته ورغباته وردود أفعاله على تصرفاتي.. 
أسندت ذقنها على يدها وحبات اللؤلؤ تتحدر على خديها وقالت: صرت أخشى أن أتحدث معه في أمر لأني عرضه لانتقادات تنهش لحمي وعظمي وتعبث بكبريائي وكرامتي.. 
وقالت أخرى وهي تفكر في الانفصال: لقد فقدت ثقتي في أي كلمة يقولها.. لا أعرف إن كان رأيه أم لا.. 
سألتها عن الدلائل خوفا من أن يكون رأي تحت تأثير انفعال.. فقالت وليتها لم تقل: لا يوافق فعل له قول، ولا يفي بوعد، ولا يقدم على ما يدعي أن يؤمن به، بل ولا يكاد يتذكر أنه قال هذا حين أواجهه بأنه كان رأيه.. 
سألتها ما السبب حسب ظنك قالت: لا أظن بل أعرف.. أعرف أن شيخه لا يسمح له ألا أن يكون رهن رأيه حتى فيما يحب ويكره.. 
كأن حياتي مكشوفة كليا تحت عيني شيوخه هؤلاء.. بذريعة "وأمرهم شورى بينهم" و "رأي الجماعة خير من رأي الفرد" .. وأن شيخه أحرص على دينه منه.. ووو ....
مسحت دموعها بعنف وصرخت بكل ما في صدرها من أسى: هل هذا هو الدين .. هل أمر الله بهذا؟ أين حرمة الميثاق الغليظ؟
الكثير من سجلات ذاكرة الاستشارات تحمل وجعا تدور رحاه في هذا الفلك.. 
رضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الذين استلوا السيوف لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.. 
رضي الله عن الصديق والفاروق .. "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟"
ولكن الخطأ لا يقع على المربي والشيخ والعائلة وحدهم .. فبعض الناس يؤثر السلامة ويقبل انتظام رقبته في قيد الآخرين طوعا.. 
حتى يبقى آمنا من الفشل أو المغامرة أو المسؤولية.. 
ولكن كل فرد مسؤول ومحاسب ولن يشفع له هؤلاء ولن يحملوا عن كتفه ذنوب المظالم والحقوق.. "وقفوهم إنهم مسؤولون مالكم لا تناصرون"
"وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" .. أمام ميزان العدل .. ستجد دمعة سكبت بفعلك وخوفا نبت بقسوتك وحيرة أوجدها تقلبك.. 
ستجد هناك كل مسؤولية فرطت فيها بحكم غيرك أو مظلمة اقترفته بتوصيتهم.. ستحاسب عليه وحدك.. ولن يشاركك الحمل أحد منهم
أما في الدنيا فسيحيا مسلوب كل شيء حتى من بصمة شخصه، لقد تفرق عقله وقلبه ورغبته وهويته في كل هؤلاء الذين ملكهم  زمام أمره.. 
الاحترام والتقدير والإكبار مرهون بثبات المرء على حال يؤمن أنها الحق، ووقوفه خلف ما يقول مهما كان الثمن، والتزامه بمسؤوليته مهما كانت كؤود.. 
لا شيء بلا ثمن ..
أسمع صوتا يقول: الاستشارة شرع وتشريع بنص الكتاب "حكما من أهله وحكما من أهلها" 
نعم.. في أضيق الحدود حين يعجز الرأي والعقل والاجتهاد والحكمة والتدبير والرحمة والحلم وطول الأناة..
حين نبقى أمام خيار بالخراب لا أمل في صده إلا بالاستشارة.. عندها تكون بحكمين عادلين أمينين ويبقى الرأي بعد الاستشارة للطرفين حقا واجبا.. 
اتقوا الله في أنفسكم وفيمن هو تحت ولايتكم من أبناء وأزواج وزوجات.. 
 وأحسنوا عمارة الأرض بالخير.. و"خير الناس أنفعهم للناس".. و"خيركم خيركم لأهله" كما قال المصطفة صلى الله عليه وسلم..


فاطمة بنت الرفاعي

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.