استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

قهوة الحرية، وسنن النصر

كثيرة هي الوقفات والتأملات التي ستتفتق عنها عقول السوريين في هذا الأسبوع المجيد. ولكني الآن لا أستطيع أن أقاوم "حسي الفلسفي"، الذي يلّح علي منذ الفجر، يريد أن يقول شيئًا.

أنا شخص "سُنَنِي" للغاية، بمعنى أنني أرى الوجود عبارة عن سنن (قوانين ومعادلات). أعتبر أن "مفهوم السننية" هو تجلٍ من تجليات العدل الإلهي والرحمة كذلك. لذلك، عندما أتعثر في مشروع ما، أعلم أنني لم أكتشف المعادلة الصحيحة للنجاح.

في معادلة النجاح خاصتي، أرى أن هناك أسبابًا لا تتحقق إلا بسعي الإنسان لها، وهناك أسباب يهيئها الله تعالى لذلك الإنسان، وكأن سبحانه يكمل له الفراغات الناقصة في المعادلة. يسخر له الكون بعد أن يرى صدق سعيه، واكتمال وعيه ونضجه واستحقاقه. تكرر معي الأمر في مواقف أكثر من أن أحصيها، حتى أصبح منهجًا ذاتيًا أسير عليه.

وأعتقد أن هناك سننًا للنصر أيضًا. معادلات تتضمن أسبابًا يجب أن يقوم بها المجتمع، وشروطًا يجب أن يستكملها، ووعيًا يجب أن يصل إليه أفراده، ثم يحرك الله المشهد العالمي، ويسخر له الكون ليكمل له المعادلة. نعم، تطلب الأمر ثلاثة عشر عامًا حتى نستوفي شروط النصر البشرية، وفي عشرة أيام، سخر الله تعالى كل الكون وأخضع كل القوى وقال للحرية: "كوني للسوريين"، فكانت.

ما هي المعادلة؟ ما هي مكوناتها؟ ما هي خلطة النصر؟ ماذا فعل السوريون خلال كل هذه المدة؟ هذه تحتاج إلى عقول فلسفية جبارة كي تحلل وتربط. ولكن من رؤيتي المتواضعة، أعتقد أن الاتفاق على وحدة المشروع الوطني، ووضوح الاستراتيجية الحربية، وامتلاك الذكاء الجيوسياسي، واستقراء واقع المصالح المتشابكة بمهارة، إضافة إلى النضج الأخلاقي، كلها أسباب قوة لم تكن متوافرة في بداية الحراك الثوري، وتوفرت لاحقًا نتيجة التجربة والخطأ والاعتبار بعد السقوط. هكذا تنضج الثورات، وهكذا يتشكل الوعي النهضوي في عقول الشباب المتحمس عبر التعلم وتصحيح المسار.

ولكن ما أفكر فيه الآن، وأنا أرتشف قهوة الحرية التي حرصت أن تكون في فنجان أخضر، هو أنني أتمنى حقًا أن يكون كل سوري مدني منا اليوم قد خاض رحلة "ثورته الشخصية" خلال السنوات الماضية، واكتسب الحد الكافي من العلم والمعرفة والنضج العقلي والوجداني الذي يؤهله لصناعة نهضة حقيقية في سوريا.

صحيح أن زمن المعجزات قد ولّى، ولكن سنن الله باقية إلى يوم الدين. لا عبث في كون الله، بل نظام وسنن وحكمة ورحمة. الله تعالى يريد أن يصنع ذلك الإنسان المؤمن الواعي، ذو العقل المتين القادر على فهم الحياة والتحرك فيها بذكاء وفطنة وعلم وإيمان، وفق السنن، وهذا يحتاج إلى مجاهدة من قبل الإنسان وتيسير وتوفيق من عند الله تعالى.


 
كتابة: المهندسة رباب تميم قاسْمُو

Post a Comment

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.