في خضم سنوات الظلم والقهر التي عاشها الشعب السوري تحت حكم نظام استبدادي قمعي، كانت ثورة السوريين أكثر من مجرد صراع لإسقاط الطاغية؛ بل كانت مشروعاً وطنياً يسعى إلى استعادة الحرية والكرامة وبناء دولة المواطنة والعدالة. ومع اقتراب تحقيق هذا الهدف، تتجلى التحديات الحقيقية فيما سيأتي بعد النصر. فالرهان اليوم ليس فقط على نهاية نظام بشار الأسد، بل على قدرة السوريين على بناء مستقبل يعكس تضحياتهم ويحقق تطلعاتهم.
ما بعد هلاك الطغاة: مسؤولية ثقيلة وأمل جديد
يؤكد القرآن الكريم أن القضية ليست فقط في القضاء على الطغاة، بل في ما يتبع ذلك من تحمل المسؤولية والعمل لتحقيق الصلاح والعدل. يقول الله تعالى:
“عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ” (سورة الأعراف: 129).
التحدي الحقيقي اليوم يكمن في تحقيق نضج القيادة إلى جانب نضج الشعب، حيث ينبغي تجاوز ثقافة الانتقام والالتزام بإقامة محاكمات عادلة ومنصفة، لبناء مجتمع يضع العدالة فوق الثأر، والمستقبل فوق الماضي.
دروس من الطغيان: بناء شرعية جديدة
النظام السوري لم يبنِ شرعيته على أي قاعدة سياسية أو دينية أو اقتصادية، بل هندس الخوف كغاية في حد ذاته. كان القمع والإذلال أدوات يومية للحفاظ على السيطرة، حتى أصبح الخوف هو اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام ويُجبر الشعب على التعامل بها.
السجون في سوريا لم تكن أداة للعقاب فحسب، بل مصانع للرعب الذي يحوّل الإنسان إلى أداة عديمة القيمة في خدمة آلة القمع. هذا النموذج ليس مجرد نظام مستبد، بل يمثل أقصى درجات الانحطاط البشري، حيث تتحول حياة الإنسان إلى مجرد وسيلة لاستمرار آلة الظلم.
بناء سوريا الجديدة: التحديات والفرص
اليوم، مع زوال مرحلة الأسد، تتجلى المسؤولية الكبرى في إعادة الإعمار والترميم، بروح تتجاوز الانتقام وتسعى لتحقيق المصالحة الوطنية. الشعب السوري، بكل أطيافه وتضحياته، هو النخبة الحقيقية التي أسقطت الاستبداد، ولا بد أن يكون الجميع شركاء في بناء الوطن الجديد.
يجب أن تركز الرؤية المستقبلية على:
- إقامة العدالة: عبر محاكمات عادلة تكشف الحقائق دون الوقوع في فخ الانتقام.
- ترميم المجتمع: من خلال تعزيز قيم التسامح والتعاون، وتشجيع المترددين على الانخراط في عملية البناء.
- بناء دولة المؤسسات: دولة قائمة على المواطنة، تحترم التعددية وتحتضن كل السوريين.