تتجلى في حياة الفرد والمجتمع معضلة تتشابك فيها التحديات كلما زاد تأخرهما عن مواكبة الزمان والمكان. فكل من يغفل عن قوانين الحياة المحيطة به، سواء على مستوى الزمان أو المكان، يجد نفسه في مواجهة معضلة لا مفر منها.
الإنسان، بطبيعته، (جسد) مادي مقيد بالأرض والبيئة من حوله، لكنه أيضًا (وعي) كائن غير مادي مستقل عن المادة بارتباطه بسياق تاريخي يمتد عبر الزمن من صُنع يديه. هذا المزيج بين المادي وغير المادي يضع الإنسان بين هذا المد و الجزر ليعيش أيامه متفاعلاً معاه لا مخرج له منهما ، وعندما يتأخر أو يتجاهل هذه الحقيقة، يتفاقم التأخر ليصبح عبئًا يفرض خيارات صعبة
ماهية المعضلة:
تكمن المعضلة التي تواجه المتأخر في ضرورة اتخاذ واحد من خيارين، كلاهما صعب. الخيار الأول يمكن تسميته “الصبر المر”، والخيار الثاني هو “الثمن الغالي”. الأمة التي تتجاهل قوانين المكان أو الزمان تجد نفسها في النهاية أمام هذه المعضلة. فهي إما أن تختار طريق الصبر والعمل المستمر، وهو الطريق الذي يتطلب بذل جهد هائل واستراتيجية واضحة لبناء مستقبلها. أو تختار، عن غير قصد، الطريق الأكثر ألمًا، وهو دفع ثمن التأخر الذي قد يؤدي في النهاية إلى انهيارها بالكامل.
الخيار الأول: الصبر المُر
الصبر المر هو خيار البناء والتحمل وتحديد الرؤى المبنية على أسس سليمة و تقبل فكرة التجربة و إعادة التجربة والنظر، وهو خيار لا يخلو من التضحيات. يتطلب من المجتمع أن يدرك حقيقة وضعه، وأن يضع خططًا بعيدة المدى، ويعمل ليل نهار في كافة مؤسساته للتعويض عن الفجوة التي خلفها التأخر. هو خيار مليء بالتحديات، ولكنه يتطلب الصبر والشجاعة في مواجهة الصعاب. يحتاج المجتمع إلى رؤية واضحة وتكامل بين مؤسساته ليتمكن من تحويل التأخر إلى فرصة للنهوض، وهذا بالطبع لن يحدث بين ليلة وضحاها، بل يتطلب سنوات من العمل الدؤوب.