استثمر في نفسك اليوم، واجعل التعلم عادة يومية. ابدأ الآن واجعل العلم رفيقك في رحلة النجاح. تابعنا على تيليجرام!

معضلة المتأخر: بين مرارة الصبر والثمن الغالي

 تتجلى في حياة الفرد والمجتمع معضلة تتشابك فيها التحديات كلما زاد تأخرهما عن مواكبة الزمان والمكان. فكل من يغفل عن قوانين الحياة المحيطة به، سواء على مستوى الزمان أو المكان، يجد نفسه في مواجهة معضلة لا مفر منها.

الإنسان، بطبيعته، (جسد) مادي مقيد بالأرض والبيئة من حوله، لكنه أيضًا (وعي) كائن غير مادي مستقل عن المادة بارتباطه بسياق تاريخي يمتد عبر الزمن من صُنع يديه. هذا المزيج بين المادي وغير المادي يضع الإنسان بين هذا المد و الجزر ليعيش أيامه متفاعلاً معاه لا مخرج له منهما ، وعندما يتأخر أو يتجاهل هذه الحقيقة، يتفاقم التأخر ليصبح عبئًا يفرض خيارات صعبة

ماهية المعضلة:

تكمن المعضلة التي تواجه المتأخر في ضرورة اتخاذ واحد من خيارين، كلاهما صعب. الخيار الأول يمكن تسميته “الصبر المر”، والخيار الثاني هو “الثمن الغالي”. الأمة التي تتجاهل قوانين المكان أو الزمان تجد نفسها في النهاية أمام هذه المعضلة. فهي إما أن تختار طريق الصبر والعمل المستمر، وهو الطريق الذي يتطلب بذل جهد هائل واستراتيجية واضحة لبناء مستقبلها. أو تختار، عن غير قصد، الطريق الأكثر ألمًا، وهو دفع ثمن التأخر الذي قد يؤدي في النهاية إلى انهيارها بالكامل.

الخيار الأول: الصبر المُر

الصبر المر هو خيار البناء والتحمل وتحديد الرؤى المبنية على أسس سليمة و تقبل فكرة التجربة و إعادة التجربة والنظر، وهو خيار لا يخلو من التضحيات. يتطلب من المجتمع أن يدرك حقيقة وضعه، وأن يضع خططًا بعيدة المدى، ويعمل ليل نهار في كافة مؤسساته للتعويض عن الفجوة التي خلفها التأخر. هو خيار مليء بالتحديات، ولكنه يتطلب الصبر والشجاعة في مواجهة الصعاب. يحتاج المجتمع إلى رؤية واضحة وتكامل بين مؤسساته ليتمكن من تحويل التأخر إلى فرصة للنهوض، وهذا بالطبع لن يحدث بين ليلة وضحاها، بل يتطلب سنوات من العمل الدؤوب.

الخيار الثاني: الثمن الغالي

في حال تجاهل الأمة أو الفرد لتحديات الصبر والعمل المتواصل، فإنها تواجه الخيار الأصعب، وهو دفع الثمن الغالي. يتمثل هذا الثمن في الانهيار التدريجي للمجتمع، وما يصاحبه من كوارث، مثل الفقر، الحروب، والدمار الذي لا يرحم أحدًا. التأخر لا يعني التوقف، بل هو تراجع يؤدي إلى تراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تصبح في النهاية غير قابلة للحل بسهولة. هذا الثمن لا يدفع فقط في الحاضر، بل يمتد تأثيره ليشمل أجيالاً قادمة.

هناك فكرة خاطئة شائعة بين البعض، وهي أن التوقف عن التقدم قد يكون بمثابة حالة من الاستقرار أو السلام. ولكن الواقع يثبت عكس ذلك؛ فالتأخر ليس حالة من الجمود، بل هو شكل من أشكال التراجع المستمر. الحياة والتاريخ لا يتوقفان، وكل يوم يمضي يحمل معه تغيرات جديدة. وكما ورد في القرآن الكريم: “لِمَنْ شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ”[المدثر: 37]، مما يدل على أن التقدم والتأخر مرتبطان بحركة الزمن والحياة.

معضلة التأخر ليست مجرد تحدي فردي أو مجتمعي بسيط، بل هي استجابة و معرفة و وعي بالزمان والمكان. كلما طال التأخر، زادت تكلفة الحلول. وتكمن الحكمة في اختيار الطريق الصحيح منذ البداية: إما الصبر والعمل الشاق لبناء المستقبل، أو تحمل النتائج الوخيمة لدفع الثمن الغالي لاحقًا.

✍🏻 ريم سويد

إرسال تعليق

أووپس!!
يبدو أن هناك خطأ ما في اتصالك بالإنترنت. يرجى الاتصال بالإنترنت وبدء التصفح مرة أخرى.
الموافقة على ملفات تعريف الارتباط
نحن نقدم ملفات تعريف الارتباط على هذا الموقع لتحليل حركة المرور وتذكر تفضيلاتك وتحسين تجربتك.